لا يمكن مواجهة مجموعات تستهدف التجمعات في المراكز التجارية والفنادق والأعراس، أوأهدافا سياسية وأمنية، سوى بمنظومة مجتمعية ومؤسسية. وبالطبع، فإن المنظومة المؤسسية واضحة؛ تطبيق القانون والسياسات والإجراءات الأمنية. ولكن الإرهاب والعنف ينشآن في بيئة اجتماعية وثقافية، وهذا حجر الزاوية في مواجهة العنف والإرهاب. 
ويجب أن نعترف ونواجه أنفسنا بأن منظومة العنف راسخة ومتقبلة، فلا تقتصر على التطرف الديني، ولكنها شاملة اجتماعيا وسلوكيا، ويمارسها على نحو متقبل ومسكوت عنه قطاع واسع من المثقفين والجامعيين والإعلاميين والقادة الاجتماعيين. ولا يجوز أن ننسى ذلك ونغض الطرف عن الظاهرة؛ فالتعصب العشائري والطائفي والمناطقي، كما الديني والسياسي، متمكن وشامل، ويمارسه قطاع واسع من مختلف الأجيال والمستويات الاجتماعية والتعليمية، ولدينا أمثلة كثيرة. ونستمع في المجالس، ونقرأ في وسائل الإعلام، عن عنف كبير على هيئة تعصب وعجز عن الحوار، وأفكار ومواقف شائعاتية (40 % من الأردنيين يعتمدون في مصادر الأخبار وتقييمها على الأصدقاء). والكثير من هؤلاء الذين يتبنون مواقف شائعاتية متعصبة، هم من المثقفين والأساتذة وقادة الرأي، والأكثر غرابة أنها مواقف وأفكار متعلقة بقضايا ومعلومات بديهية، عن القوانين والحالات السياسية والاجتماعية.
هذا الانغلاق السائد، والتعصب المرضي، والعجز عن الاستماع، وعدم القدرة وعدم الرغبة أيضا في معرفة الحقائق وتحليلها، تؤدي إلى بناء مواقف ثابتة غير قابلة للمراجعة والاختبار. وإذا أضيف إليها حالة كاسحة وشاملة من الكسل وعدم القراءة والمتابعة الجادة والحقيقية وتنمية الذات والأفكار، فإن العقول والنفوس تظل مغلقة على مواقفها بلا تغيير.. مثل خزان مغلق بإحكام لا يصل إليه إلا ما يتسرب عنوة من ضجيج وعفن ومسلسلات تركية وهذر فضائي وقصص مكررة.
مؤكد أن العنف والإرهاب والتطرف والتعصب سوف تجد مجالا واسعا للازدهار والنمو الهائل، وسوف يفسر ذلك السلوك الاجتماعي والشخصي وقيادة السيارات والعلاقات الاجتماعية والزواج والطلاق والصداقة المهدورة.. والخواء.
الإنسان هو ما يحل فيه من أفكار ومعارف وحكم ومعلومات وثقافة وخبرات وتجارب؛ فماذا يحل في هؤلاء الذين لا يسمعون إلا أنفسهم، ولا يقرأون شيئا سوى الإشاعات والتسلية، ولا يستمعون سوى للفراغ والخواء؟! 
المجتمعات المدينية تشكلها منظومة واسعة وعميقة من التعليم غير الرسمي والروايات والفنون الجميلة والمسرح والسينما والموسيقى والحوارات والمناظرات ومجالس الأدب والشعر والسياسة.. وبغير ذلك، فإن مجتمعاتنا عرضة للهشاشة والتفكك والأزمات والردة البدائية الى العصبيات العشائرية والطائفية والدينية والإثنية والجغرافية والخرافية. ولكن هذه التشكلات في المدن تكون خطورتها مضاعفة، بل ومرعبة ولا تقارن بأحوال الريف والبادية، حيث المجتمعات والأعمال والمصالح بسيطة.. ماذا يمكن أن يستهدف الإرهاب في البوادي والأرياف؟
هناك قنابل موقوتة تتحرك وتعيش بيننا، تبدو أنيقة ومتعلمة وعلمانية، ولكنها مجاميع تغص بالحقد والتعصب والجهل، وتحرض على التعصب والعنف وترفض التسامح، كما أن هناك متعصبين دينيين يمارسون التعصب على سبيل الحديث والتسلية، ولا يلاحظون أن الشباب الصغار يصدقونهم ويأخذون كلامهم على محمل الجدّ.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد