نجح رئيس الوزراء عبدالله النسور، في استيعاب وإدارة أزمة الأسعار نجاحا إعلاميا؛ بمعنى أنه لو كان وزير الإعلام أو كاتبا أو إعلاميا يعمل مع الحكومة أو يؤيدها، فسيوصف بـ"إعلامي" ممتاز. 
لقد تعامل النسور مع الأزمة بخبراته الإعلامية، وكفاءته ومواهبه الشخصية. ولكن ذلك النجاح لا يحسب له كثيرا باعتباره رئيس الوزراء، ولا يغير شيئا في جوهر الأزمة وطبيعتها. ويذكّر النسور بمحمد سعيد الصحاف، وزير الإعلام العراقي الأسبق في أثناء الغزو الأميركي للعراق؛ فقد كان إعلاميا فريدا من نوعه، وأدار المعركة الإعلامية بكفاءة وقدرة عالية تصلح للتدريس في كليات الإعلام، ولكنها كفاءة لا تغير شيئا في طبيعة الصراع والقضية، ولا تؤثر في التاريخ إلا بمقدار ما يحتاج إليها طلبة وأساتذة الإعلام!
يبدو أن النسور نسي ما قاله في اللحظات الأولى لتوليه رئاسة السلطة التنفيذية: "استعادة الثقة وإعادة بنائها من جديد"، لأنها -حسب ما قال ولا بأس بتكرار ذلك- في مستوى الصفر؛ أو أنه اعتقد أن القدرة الإعلامية تكفي لبناء الثقة.. مثل محام كفء وذكي يظن أن ذكاءه يكفي لكسب القضية التي يدافع عنها مهما كانت، بغض النظر عن عدالتها وورطة صاحب القضية أو فعلته الأصلية. وحتى لو كسب القضية في المحكمة، وهذا ليس شرطا كافيا أو دائما لكسبها، فإن ذلك لن يغير من موقف صاحب الحق وكثير من الناس.. وربما القاضي. 
الحكومات المتعاقبة ما تزال غير قادرة على كسب ثقة الناس والمجتمعات؛ هذه هي الأزمة. والأسوأ من ذلك أن الحكومات منفصلة عن الواقع في تقديرها للناس والمجتمعات وأفكارهم ومواقفهم! أظنها أزمة تفوق أزمة الأسعار، لأن الحكومة لا تعرف، أو لا تريد أن تعرف كيف تبنى الثقة مع المجتمع، وأسوأ من ذلك كله أنها تظن أن بناء الثقة يعتمد على الإغراق الإعلامي، وتحسب أن التلفزيون الأردني يشتغل!
الإخوان المسلمون في اشتغالهم بأزمة الأسعار كانوا منشغلين بأزمتهم؛ أزمة الجماعة وأفكارها ومواقفها وانقسامها وانفصالها عن المجتمع والدولة. الأكثر صلابة وتماسكا في سلوك الإخوان وأفكارهم (إلا من رحم الله وقليل ما هم) هو الانفصال الاجتماعي، المضاف إليه مزيج من التأييد الديني، بما يزيده صلابة وقوة. 
الناس غاضبون لأجل معاشهم، والإخوان خرجوا إلى الشارع لأجل قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية؛ الناس يفكرون في تدبير حياتهم وأقواتهم، والإخوان يفكرون في الانتخابات. الإخوان مثل أشخاص يزورون مريضا يتألم بشدة ويحتضر، وهم يقرّعونه ويذكرونه بنصائحهم الطبية والاجتماعية العظيمة والعريقة.. ألم نقل لك؟! أو ينصرفون عنه وهم حوله للحديث في شؤون أخرى بعيدة؛ عن بقالاتهم وعقاراتهم، أو يروون النكات.. يذكرونك بقصة عن مريض يحتضر قال لابنه: اطرد هؤلاء الزوار أو اقتلني.. دخيلك!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد