يُستدل على وجود المجتمعات باعتبارها كيانا محددا ومؤثرا، ويملك شبكة علاقاته وصراعاته وموارده وقياداته، بمجموعة من المؤشرات والأسئلة والملاحظات. أولها وأهمها الثقافة. والسؤال ببساطة: ما هي الثقافة القائمة المعبرة عن المجتمعات؛ الهوية ووعي الذات، الطعام، اللباس، العمارة، الغناء والموسيقى، المسرح، العادات والتقاليد والقيم والأعراف، القصص الشعبية والأساطير، الرموز والطقوس والاحتفالات، السلوك الاجتماعي، أسلوب الحياة، الرواية، السينما والدراما.. والرياضة والألعاب الشعبية؟ وهل تعكس، في حالة وجودها، حياة المجتمعات ومواقفها، أم أنها مستقلة عنها وغريبة عليها؟
والسؤال الثاني المتعلق بالثقافة: هل تملك المجتمعات ولاية على الثقافة؟ هل تنتجها؟ أم تقدمها لها مؤسسات أخرى مثل الدولة والأسواق؟ هل تملك المجتمعات صناعات ثقافية تنشئ أسواقا قابلة للحياة والتطور؟
أما السؤال الثالث: هل تساهم الثقافة (إن وجدت) في تحسين الحياة والمحافظة على الموارد وتجديدها وتعظيمها وإدامتها؟ هل تنشئ منظومة للإبداع والابتكار؟ هل تنشئ منظومة للجمال تمتد إلى الأفكار والسلع والتشريعات والاقتصاد والموارد.. والحياة بعامة؟
أظن أنه بمعيار امتلاك ثقافة وإنتاجها والولاية عليها، وإنشاء منظومة اقتصادية واجتماعية وجمالية حولها، لا توجد لدينا مجتمعات؛ فلسنا سوى سكان أو تجمعات سكانية تملك بقايا ثقافة لم تعد تصلح للحياة الجديدة المتغيرة المتطورة، وبقايا عادات وتقاليد وقيم أصبحت عبئا على أصحابها أو زينة غير ضارة.
ثانيا: المجتمعات باعتبارها كيانات مؤسسية تملك مواردها ومؤسساتها. إذ يفترض أن المدن والبلدات قادرة على تنظيم نفسها والولاية على مجموعة من الخدمات والمرافق، مثل الأمن والعدالة، والطاقة والمياه والسلع الأساسية، والتعليم الأساسي، والرعاية الصحية والاجتماعية، والنظافة والسلامة، والحدائق والمكتبات ودور العبادة، والأرصفة والمرافق، والأسواق، والملاعب والأندية الرياضية، وتخطيط المدن وتصميمها، والأحياء والبيوت..
ثالثا: باعتبارها مدنا وبلدات تتشكل حول منظومة من الأعمال والموارد المرتبطة بها، فيفترض أن البلدات والمدن نشأت وفق اعتبارات اقتصادية جعلت أهلها وسكانها يقيمون قريبا من مواردهم، مثل الزراعة والمصانع والمناجم والجامعات والشركات والأسواق. وإذا لم يكن للمدن والبلدات والأحياء علاقة واضحة ومباشرة بالموارد والأعمال والمصالح التي يشتغل بها المقيمون والساكنون، فإنها تفقد صفتها وأهميتها بالنسبة لهم، ولا تعود تربطهم بها رابطة، ولا تعني لهم الكثير، ولا ينتمون إليها، ولا تصلح أساسا يتشكل حوله الناس من مختلف طبقاتهم وأعمارهم لتشكيل المجالس والأندية والجيرة والعلاقات الاجتماعية والروابط والجمعيات التي تحمي مصالحهم وتنميها. وأعتقد أننا وفق هذا الاعتبار لا نملك مدنا وبلدات حقيقية ذات محتوى اقتصادي واجتماعي وثقافي يجمع الناس ويشكلهم في روابط وعلاقات وصراعات.
رابعا: القصة المنشئة للمدن والبلدات والتجمعات السكانية. إذ تملك المجتمعات منظومة من التراث والقصص والمبررات الاقتصادية والرمزية التي شكلتها، مثل المياه والأنهار والحماية والتاريخ والطرق التجارية والقوافل والغابات والمراعي والحقول. وتصحب ذلك البطولات والأساطير وقصص الحب والأعمال التي ترمز إلى التشكلات والعلاقات الاجتماعية. وربما تكون مدننا وبلداتنا القائمة تملك قصصها وأساطيرها، ولكنها فقدت صلتها بالحياة المعاصرة والتحولات الكبرى التي جرت، وبعضها اختفى واختفت معه قصصها وأساطيرها، أو العكس؛ فقد اختفت عندما لم تعد قصصها وأساطيرها باقية، لأن الأساطير والقصص لم تهبط من الفضاء، ولكنها تشكلت بفعل اقتصادي واجتماعي.
كيف يمكن تحليل وفهم علاقة الناس بالانتخابات من غير مجتمعات؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد