كان قرار جامعة الدول العربية بتعليق عضوية سوريا مؤلما للجميع، فلا يوجد عربي واحد يكون سعيدا بتجميد تواجد دولة عربية في الجامعة، ولكن لنكن واضحين تماما وبدون مهارات لفظية ونقول أن النظام السوري وحده هو الذي يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن هذا القرار.
منذ اليوم الأول للتنكيل الذي مورس ضد المتظاهرين العزل في درعا، ومعظمهم من الاطفال كان النظام لا يزال يملك مفتاح الحل ولم يكن مطلوبا سوى الإستجابة للشعار واليافطة الأولى التي رفعها المتظاهرون في سوريا وهي "بدنا نعيش". كان السوريون يريدون أن يعيشوا مثل بقية المجتمعات في مناخ من الحرية والديمقراطية وجودة الإدارة العامة ومكافحة الفساد وغيرها من متطلبات الدول الحديثة، ولكن النظام قابلهم بالقوة المسلحة القاسية والقاتلة، وقرر إغلاق الباب على نفسه وعلى خياراته الأمنية الضيقة.
لم يكن السكوت ممكنا. مبادرة الجامعة العربية والتي مثلت الحد الأدنى المطلوب من الدور العربي قبلها النظام لفظيا وضرب بها عرض الحائط عمليا، واستمر القتل ضد المتظاهرين واستمرت نفس الإسطوانة المتكررة من لوم "المؤامرة الدولية" ضد سوريا. وحتى في حال وجود هذه المؤامرة أما كان أجدى بالنظام أن يقترب من شعبه حتى يتعاونا معا لمقاومة المؤامرة بدلا من التعامل مع الشعب وكأنه عدو وثلة من الإرهابيين في استعادة مقيتة لخطاب نظام القذافي البائد؟
ما هو قادم مقلق جدا. خيار تدويل الأزمة اصبح مفتوحا على مصراعيه، والتهديدات التي أطلقها رموز من النظام السوري وحلفاؤه في الأيام الماضية يجب أن تؤخذ على محمل الجد لأن النظام السوري تاريخيا قادر على الإيذاء، وقد شاهدنا وتأثرنا بذلك في الثمانينات ولكن لا يمكن السماح بالنكوص عن مناصرة الشعب السوري تحت وطأة التهديد. الحرص مطلوب على المستوى الداخلي والخارجي لدى كافة الدول التي أيدت قرار الجامعة وخاصة فيما يتعلق بمراقبة نشاطات أصدقاء النظام السوري في تلك البلاد ولكن التنسيق الأهم هو على المستوى الإستراتيجي الإقليمي حيث يجب أن تبقى المواقف العربية موحدة في رفض التدخل الأجنبي ومحاولة إعطاء فرصة لحلول قد تصدر من داخل سوريا.
هنالك رهانات على إمكانية تحلي بعض قيادات النظام السوري بالحكمة الكافية لتجنيب سوريا وشعبها كل ما هو قادم، وهنالك تمنيات بانحياز الجيش السوري لخيار حماية المواطنين وهنالك توقعات بامتداد الإنتفاضة إلى دمشق وحلب حيث قد تخلق زخما سياسيا أكبر وأخيرا تبقى الخيارات العربية المثبتة تاريخيا في حدوث تغيير في الحلقة السياسية والأمنية التي تصنع القرار بحيث تظهر وجوه حديدة بعقلية أكثر تفهما لما يحيط بها. ولكن كل هذه الاحتمالات تبقى أقل في نسب الحدوث من تراكم الزخم الدولي من أجل تحرك شبه عسكري ضد النظام السوري وهذا ما سيفتح عدة أبواب من التداعيات المدمرة على المنطقة.
في شباط 2011 قال الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة وول ستريت جورنال بأن الوضع في سوريا لا يشبه تونس ومصر لأن سوريا دولة ممانعة. أثبتت الأيام كم كان إدراكه للواقع غير مكتمل، وبكل أسف استمر هذا الإدراك حتى تفاقمت الأمور إلى هذا الحد
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|