يواجه الموقف الرسمي الأردني تجاه الأحداث في سوريا تحديا كبيرا في البقاء متزنا على حبل مشدود، ما بين الالتزام بنداء الضمير الأخلاقي في ضرورة ممارسة الضغط المطلوب على النظام السوري لإيقاف المجزرة المفتوحة ضد الفئات المحتجة من الشعب السوري، والالتزام بالمصالح السياسية الأردنية التي تتمثل في استقرار سوريا واستمرار التواصل مع دوائر صنع القرار فيها وتجنيب المنطقة اي تدخل خارجي.
هذه معادلة صعبة ومعقدة، ولا يفهم أبعادها من يطالب الأردن بالإعتراف بالمجلس الوطني فورا وكذلك من يتهم الأردن بالمشاركة في خطة أميركية تركية خليجية مزعومة ضد ما يسمى “قلعة الصمود والمقاومة” العربية أي نظام الأسد حسب تعريف أنصاره في الأردن والذين يملأون ساحاتنا ووسائل إعلامنا زعيقا عن ضرورة الإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان في الأردن ويدعمون حملة القمع الرهيبة في سوريا.
في المقابلة التي أجراها مع قناة البي بي سي أطلق الملك عبد الله الثاني تصريحا مدويا وغير معتاد في السياسات العربية البينية ناصحا الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي ولكن بعد ترتيب نقل سلمي ومدروس للسلطة لتجنيب سوريا الخطوات الخطرة القادمة ولحماية الشعب السوري من مطرقة عنف النظام وسندان التدخل الخارجي. تصريح الملك كسر حاجز الصمت العربي الرتيب الذي رافق كافة الثورات العربية السابقة باستثناء ليبيا في المراحل الاخيرة، وفتح المجال أمام تصريح مشابه من وزير الخارجية السعودي بعد يومين.
يدرك الملك بحكم إطلاعه على المعلومات الإستخباراتية الدولية التي هي غير متاحة لنا أن الخطر كبير وداهم وما قاله يمثل محاولة صادقة في إيجاد حلول لتجنيب سوريا ويلات التدخل الخارجي ولتجنيب الأردن الضغوط في أن يشارك بها. في كتابه “فرصتنا الاخيرة” يشرح الملك وبكثير من التفاصيل ما تعرض له الأردن من ضغوطات من إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لفتح قواعد عسكرية أميركية والسماح للطائرات الأميركية بالتحليق في سماء الأردن اثناء مخططات التجهيز لغزو العراق في العام 2003. وقد قاوم الملك هذا الضغط ونجح في عدم السماح باستخدام الأراضي الأردنية للأغراض العسكرية المباشرة. رفض الملك لاستخدام الأراضي الأردنية رافقه غضب أميركي غير معلن في وقته ولكن الملك أصر على موقفه بالرغم من قناعته التامة آنذاك- كما أوضح في الكتاب- بحتمية سقوط النظام العراقي.
من نفس هذا المنطلق نعتقد بأن منظومة صنع القرار الأردني ستعمل كل ما في وسعها لتجنيب سوريا اي تدخل خارجي قد تكون نتيجته وبالا على المنطقة ولن تقبل بالضغوطات الخارجية والداخلية (الأخوان المسلمين) للاعتراف بالمجلس الانتقالي. وفي هذا السياق تبدو الشراكة الأردنية-التركية هي المحور الأساسي لضمان استمرار البعد الأخلاقي في رفض استهداف المدنيين في سوريا والمطالبة بتحقيق الإصلاح السياسي لأن الدولتين هما الجارتين الأكثر تأثرا من تداعيات الوضع في سوريا، خاصة بعد المواقف اللبنانية والعراقية الاخيرة والتي لها أسبابها السياسية والطائفية المعروفة.
أصبح الأردن ساحة للتنافس الشديد بين أنصار النظام السوري ومعارضيه من المواطنين الأردنيين ومن المهم إبقاء هذا النقاش ضمن أطر سلمية وحضارية وعدم جر الأردن إلى مواقف متطرفة مع الحرص على استخدام كافة الوسائل والأدوات السياسية الكفيلة بمساعدة الشعب السوري الشقيق على اجتياز هذه المحنة بأقل خسائر ممكنة واحترام خياراته التتي تتخذ بطريقة حرة فيما لو سمحت الظروف.
لا يحسد أحد منظومة صناعة القرار الأردني على طريقة التعاطي مع الملف السوري، ونتمنى أن يستمر التوازن ما بين الأبعاد الأخلاقية والسياسية قائما.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور