من بين كافة الملفات المتعلقة بالتحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في الأردن، ومن بين كافة القضايا التي تحفل بها شعارات وبيانات حركات الاحتجاج الشعبي والمعارضة التقليدية والمستجدة فإن قضية الواجهات العشائرية هي الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى تفجر الموقف الداخلي في البلاد، ولهذا يجب أن يتم التعامل معها بمنتهى الجدية والكفاءة والسرعة من قبل الدولة.
مغامرات شراء الوقت في إعداد وإقرار التشريعات الإصلاحية يمكن أن تستمر لمدة ما ولكن لا يمكن التعامل بنفس الطريقة مع الواجهات العشائرية. نحن بحاجة ماسة إلى لجنة من ثقاة الشخصيات في الأردن من رجال الدولة وقادة العشائر المعنية للوصول إلى تفاهم يرضي الجميع وبشكل سريع وبطريقة منضبطة تختلف عن البازار الذي حدث في عملية الموافقة على البلديات الجديدة في أواخر عهد الحكومة السابقة.
المكان الوحيد الملائم لمعالجة هذا الملف هو الديوان الملكي العامر، وبدعم من القيادات السياسية والعشائرية. لا أملك بحكم غياب الخبرة والدراية معلومات كافية حول هذا الموضوع ولكن من الممكن في البداية عمل حصر كامل لهذه الأراضي ومساحاتها ومواقعها وطبيعة الملكية القائمة فيها في العقود الماضية. ومن ثم يمكن تقسيمها إلى فئات مختلفة منها الأراضي التي تم بالفعل إنشاء استثمارات تجارية وتعليمية وصناعية وسياحية عليها وهي من الصعب أن تزال الآن ولكن من الضروري أن يتم تعويض الجهات ذات “الحق التاريخي” بها.
وفي المقابل، هنالك الأراضي التي لا تزال في ملكية الخزينة والتي يمكن تقسيمها إلى “وحدات تنموية” يتم تفويضها إلى جمعيات تعاونية من أبناء المنطقة بحيث يتم استثمارها في مشاريع تنموية تحقق فوائد عامة للمجتمع، ولا يتم الصراع عليها والتعامل معها كقطع أراضٍ تصبح سلعة في السوق وقد تضيع بدون فوائد مستدامة للمجتمع.
هنالك مساحات كبيرة من الأراضي غير المستغلة في الأردن وقد حان الوقت ليتم التعامل بشفافية وضمن خطة منهجية مع هذه القضية لتتحول من عبء على أمن واستقرار الدولة إلى فرصة تنموية تحقق دخلا وتحسينا في نوعية الحياة ومزيدا من ارتباط السكان بالأرض بالطريقة السليمة والتي تعتمد على إدارة الموارد وليس تسليع الأرض في سوق البيع والشراء ولا منحها لمستثمرين بطريقة تخلو من الشفافية والتنافسية الصحيحة ولا تخدم المجتمع المحلي وأصحاب الحقوق التاريخية.
الثقة هي نقطة الانطلاق الأولى، وفي حال تم الوصول إلى حل مستدام لهذا الملف سيشعر الجميع بالراحة ويتم التفرغ لتحقيق الإصلاح السياسي المنشود في أجواء صحية وإيجابية، وإلا سيبقى ملف الواجهات العشائرية مفتوحا على مصراعيه مسببا عبئا أمنيا وسياسيا للدولة وتهديدا للاستقرار.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور