أن الاطلاع الدائم على الأخبار المحلية يصيبنا بالإحباط وارتفاع الضغط والتشاؤم. أسباب كثيرة تدعونا للقلق وهنالك مصادر لا تتوقف من ضخ المشاعر السلبية والتطورات التي لا تسر صديقا، وتكاد لا تعرف من أين يبدأ وإلى اين ينتهي هذا التدفق من الأخبار والتطورات السلبية في كافة مناحي الحياة في بلادنا.
أحد أهم أسباب الإحباط الحالة التي تمر بها جامعاتنا الأردنية من انفلات أخلاقي وقيمي تجاوز كل المقبول من الحدود التربوية والتعليمية.
لقد كانت الجامعات الأردنية من مصادر الفخر الوطني، ومن أهم المنشآت والمرافق التي تم تطويرها في الأردن وساهمت برفد البلاد والعالم العربي بل حتى الدول الغربية بمئات الآلاف من الخريجين الأذكياء المتميزين وكانت بؤرة جذب للدارسين من الدول العربية الشقيقة الباحثين عن التميز العلمي والحياة الجامعية المتطورة.
ولكن كل هذا يبدو أنه في طريقه إلى الانتهاء الآن وأن جامعاتنا تتحول من منارات علمية إلى مؤسسات متداعية غير قادرة على ضبط الانفلات.
أخبار المشاجرات الجماعية في الجامعات لا تتوقف، وتحولت بعض الجامعات إلى ساحات معارك بين عصابات من الطلبة وبعضهم يعاني من آثار السكر وباستخدام الأسلحة البيضاء والنارية.
كل ذلك على خلفية صراعات انتخابية ذات طابع عشائري أو لمجرد خلاف واشتباك بين طالبين يتحول إلى صراع شامل على خلفية عشائرية. الجامعة الأردنية شهدت آخر مظاهر هذا الانفلات على خلفية الانتخابات الطلابية وتمت استباحة حرم الجامعة من قبل الطلاب المسيئين وقوات مساندة من خارج الجامعة، فهل سيتم التصرف المناسب حيال هذا الأمر وتعريض الطلبة المتسببين بالمشاكل للتأديب المناسب، وبدون تدخل من النواب والشخصيات السياسية والاجتماعية ذات النفوذ لمنع تنفيذ هذه العقوبات.
ما حدث في جامعة الطفيلة التقنية منذ عدة اسابيع لا يقل إيلاما. ندرك تماما أن الجامعة تفتقر للكثير من مقومات الحياة الجامعة والمرافق والأدوات والبنية التحتية المطلوبة للتدريس والمعيشة، وهذا ما يعطي كافة الطلبة الحق الأخلاقي التام في الاحتجاج والمطالبة بتحسين الظروف الأكاديمية والحياتية في الجامعة وبكافة الوسائل السلمية المتاحة. ولكن هنالك حد فاصل لا يمكن القبول بتجاوزه ما بين الاحتجاج السلمي وما بين الاعتداء بالضرب على أعضاء الهيئة التدريسية، ومنع رئيس الجامعة من دخول جامعته ومكتبه.
لا توجد قيم ديمقراطية ولا إصلاح يمكن أن تتسامح وتتقبل قيام الطلبة بالاعتداء على المدرسين وتحت أية ظروف كانت.
هنالك كرامة للناس وهنالك احترام واجب لأعضاء الهيئة التدريسية بغض النظر تماما عن مواقفهم تجاه مطالب المحتجين من الطلبة. الاستقواء بالعمق الاجتماعي لا يمكن أن يكون مرجعية مقبولة في الحياة الجامعية ومهما كانت المطالب محقة وصحيحة، فهذا لا يعطي للطلبة الحق بتجاوز القوانين.
لقد اتخذت إدارة جامعة الطفيلة التقنية قرارا بفصل 12 طالبا وهو قرار قاس ربما من الافضل التراجع عنه نحو عقوبات اقل مع الاستجابة لمطالب الطلبة، وفي نفس الوقت لا بد من اتخاذ عقوبات مماثلة تجاه الطلبة المسيئين من الجامعة الأردنية حتى لا يتم الكيل بمكيالين في التعامل مع الطلبة من جامعات مختلفة.
وفي المقابل نتمنى على الحراك الشعبي الإصلاحي كما يسمي نفسه الامتناع عن تقديم الدعم والتأييد لأي تجاوز عن القانون يتم في الجامعات حتى في حال كانت المطالب محقة.
نحن ننتظر من تيارات شبابية وسياسية تطرح نفسها في مقدمة مسار الإصلاح السياسي أن تكون ملتزمة تماما بقيم الحياة الجامعية والقانون ولا تقدم دعما لسلوكيات مرفوضة لأن تأييد أي سلوك يتضمن الاعتداء الجسدي ومنع سير الحياة الطبيعية في الجامعة يعني أيضا تأييد اية اعتداءات تحدث ضد هؤلاء "الإصلاحيين".
والقانون يجب أن يطبق على الجميع بعدل وإنصاف، كما أن الإصلاح يعني احترام هذا القانون والالتزام بالاحتجاج السلمي، ومسؤوليتنا كبيرة في حماية جامعاتنا من التدمير المنهجي.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور