العهد الملكي في العراق 

شكلت الثمانينات منعطفا هاما فـي حركة التأليف عن الهاشميين واعادة الاعتبار للعهد الملكي فـي العراق تحدثت الدراسات عن الجهود التي بذلها الملوك في التوفيق ما بين ضغط بريطانيا واندفاع الساسة العراقيين استوقفني اندفاع العراقيين للكتابة عن الملوك الهاشميين في فترة محددة في تاريخ العراق . فتح العراق الباب لحركة التأليف عن العهد الهاشمي وانطلقت الاقلام العراقية تكتب كتابات جادة كل الجد عن الملوك الراحلين.


اول دراسة اكاديمية عن الملك فيصل الاول :
ظهرت اول دراسة اكاديمية عن الملك فيصل الاول في الجامعة المستنصرية بقلم علاء جاسم محمد وعنوانها «الملك فيصل الاول: حياته ودوره السياسي في الثورة العربية وسورية والعراق»، استخدم الكاتب الوثائق البريطانية من دائرة الوثائق
العامة PRO ووزارة الخارجية F.O ووزارة المستعمرات C.O ووثائق المركز الوطني العراقي (م.و.و) وملفات البلاط الملكي المحفوظة في المركز الوطني للوثائق وثمانية وثمانين كتابا مختلفا.تحدث الكتاب عن الملك فيصل وحياته السياسية في العراق وانه كان يوفق ما امكن بين رغبة الشعب العراقي والحدود التي يفرضها الانتداب..

وبتعبير آخر كما قال الكاتب انه يتحمل المسامحات الضرورية وبالرغم من ان هذه المهمة شاقة في العراق التي لم يعش الملك فيصل فيها اصلا فانها نجحت وزادت سلطة الملك زيادة كبيرة واستطاع كبح جماح الساسة وان يرفعهم الى المستوى اللائق الذي يخدم البلاد، لم يكن متهورا ولا مندفعا وفي الوقت نفسه كان حازما وديمقراطيا وكما وصفه فرنسي بانه عاقل حكيم قاد اكبر مملكة في العالم آنئذ، كان جلادا للوقت عدوا لليأس تقرأ على ملامح وجهه كلمة نابليون ليس هناك (كلمة مستحيل). ونقل الكاتب ما كتب الآخرون عن الملك فيصل واهم ما قرأت هو ما قاله الاميركي لانسنغ: «تشعر ان الطبيعة اختارت هذا الرجل ليكون اميرا على الرجال».


الدراسة الاكاديمية الثانية الملك فيصل الاول والانجليز والاستقلال:
كتب هذا الكتاب الدكتور كاظم نعمة وبين يدي الطبعة الثانية التي صدرت عام 1988م ونشرته الدار العربية للموسوعات والمؤلف في الاصل رسالة دكتوراة في الاصل قدمت لجامعة ويلز/المملكة المتحدة عام 1974م ولكن العراق كما ذكرت عندما بدأ في نشر الكتب عن الهاشميين نال هذا الكتاب حظه، وترجع اهمية هذا الكتاب انه اعتمد على الوثائق غير المنشورة وعلى المقابلات والاهم على الرسائل الشخصية للمسؤولين مثل تشمبرلن وبلفور ولوين جورج وجرترود بل وغلبرت كلايتون وفلبي والميجر فونك ووثائق عصبة الامم ومراسلات الحكومة العراقية معها وجلسات الجمعية التأسيسية العراقية.وفي الكتاب تلاحظ ان العراق حصل على استقلاله السياسي دون الحاق الخطر بالمصالح البريطانية وتلاحظ ان هناك في العراق ثلاثة فاعلين:
1- القصر.
2- الحكومة العراقية.
3- الحركة الوطنية
كان هؤلاء الثلاثة صفا واحدا في احيان كثيرة امام المعتمد البريطاني، اختلفوا في احيان اخرى، لقد استفاد الملك فيصل من الحركة الوطنية وسخرها لتحقيق أهداف العراق وهي الاستقلال واستفاد منها في جعل بريطانيا تقدم تنازلات غير ان الكاتب وصل الى نتيجة ان الملك فيصل خسر قابلية توظيف الحركة الوطنية وكانت اقوى سلاح فعال لجعل بريطانيا تخفف من قبضتها على العراق.كان الانجليز يعيشون في خوف من احتمال تكرار تجربة ثورة العشرين مرة ثانية..وبقي ان اقول ان الكاتب تحدث عن دبلوماسية بريطانيا في التلويح بتنحية الملك فيصل عن عرش العراق وان الملك فيصل كان يضع الانجليز بين خيارين:
1- محنة السيطرة المباشرة على العراق.
2- ان يخففوا قبضتهم عن العراق.
واختار الانجليز الخيار الثاني.
ملاحظة: في كتاب اخر من تلك الكتب لاحظت ان رشيد عالي الكيلاني طلب من الملك غازي ان يقوم الانجليز بتعبيد طرق العراق اذا ارادوا تطبيق المعاهدةوالوقوف بجانب بريطانيا في الحرب.
الكتاب الثالث: ثلاثة ملوك في بغداد:
كان هذا الكتاب من اوائل الكتب التي ترجمت في تلك المرحلة بقلم المترجم المشهور (سليم طه التكريتي) ويعجبني في ترجمة سليم انه يعلق على الترجمة ويوضح في الهامش الكثير من الامور التي تحتاج لتوضيح، وعلى سبيل المثال بيّن في ترجمة الكتاب ان الغربيين اطلقوا على العراق بلاد الرافدين (ميسوبوتاميا) في حين ان كلمة العراق كانت تطلق على العراق حتى قبل الفتوحات الاسلامية وظلت هكذا.

ومؤلف الكتاب هو العقيد جرالد دي غوري جاء للعراق عام 1924م ضابطا في قوات (الليفي) المرتزقة التي انشأها الجيش البريطاني في العراق بعد احتلال العراق
وظل حتى عام 1940م عندما ذهب للسعودية ثم عاد بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني لمؤازرة الحكومة السابقة وشارك في عمليات سورية 1941م.والكتاب سرد موجز لاوضاع العراق في العهد الملكي في عهد الملوك الثلاثة واعتبر العراقيون هذا الكتاب مصدراً من مصادر تاريخ العراق الحديث وكتب المترجم سليم في مقدمة الطبعة الثانية 1988 ان الهدف تدوين تاريخ العراق تدوينا خاليا من الشوائب .
كتاب هنري فوستر:
ومن الكتب التي كتبها الانجليز كتاب هنري فوستر بعنوان (نشأة العراق الحديث) تحدث فيها عن الملك فيصل ايضا وقد تولى سليم التكريتي ترجمة الكتاب ترجمة شيقة والكتاب في جزأين صدرا في تلك الفترة الهامة التي تحدثت عنها سابقا.
الملك غازي له نصيب الاسد:
لاحظت ان هناك عدة مؤلفات عن الملك غازي ومنها رسائل دكتوراة، ولقد اعاد الاهتمام العراقي بالملك غازي الى خاطري موضوع (الفيلم) لقد اخرج العراقيون فيلما ممتازا عن الملك غازي وقد شاهدت هذا الفيلم في بغداد في دار من دور العرض في بغداد واذكر ان الحفلة كانت مسائية وقد امتلأت دار السينما بالرواد من الرجال والنساء الذين تابعوا الفيلم بصمت مثير للانتباه، وبالنسبة لتقييمي «الشخصي» للفيلم فان (الفيلم) كان على مستوى جيد في اخراجه والاهم ان اقبال العراقيين عليه كان لافتا للانتباه جاء ذلك في نفس تلك الفترة التي شهدت النشاط في التأليف والترجمة عن ما كتب عن العراق وعن العهد الهاشمي.

دراسة اكاديمية عن الملك غازي:
وبين يدي دراسة الدكتور لطفي جعفر فرج وهي بعنوان (الملك غازي)(ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخاجي (1933 - 1939).اعتمدت الدراسة على الوثائق الهامة البريطانية لوزارة المستعمرات ودائرة السجلات العامة ووزارة الخارجية والامانة العامة للمركز الوطني لحفظ الوثائق (في بغداد) وفي الفصل الثاني من الكتاب يتحدث عن توجه الملك لكي يسود ويحكم في آن واحد وما ادى اليه ذلك من ملابسات بين القصر والسلطة التنفيذية ودخول
الملك في متاهات الصراع بين السلطة العسكرية والمدنية:
وتحدثت عن تحرر الملك من اطر السياسة العراقية الخارجية وتعاون الانجليز مع جهات عراقية في التفكير بالخلاص من الملك.

كتاب اكاديمي اخر وهناك كتاب الدكتور محمد حسين الزبيدي من كلية الآداب ـ جامعة بغداد بعنوان «الملك غازي ومرافقوه» صدر الكتاب عام 1989 وتحدث الكتاب عن الملك غازي وحياته وبعض نشاطاته وفي نهاية الكتاب شهادات المرافقين:
1- صالح صائب الجبوري.
2- فؤاد عارف (اللواء فؤاد كان مرافقا للملك غازي وكان حتى السنوات الاخيرة بكامل نشاطاته).
3- العقيد سامي عبدالقادر
4- العقيد الطيار حفظي عزيز.
5- اللواء طاهر الزبيدي.
تحدث الكتاب عن قصة تسمية الملك غازي بهذا الاسم في حين سماه جده (عون) في حين كان والده يقود حملة في عسير لتأديب محمد بن علي الادريسي امير عسير وتحدث عن ظروف قدومه لبغداد.

وفي الكتاب روايات من المرافقين اهمها رواية فؤاد عارف الذي كان مرافقا للملك غازي عند وفاته الغامضة ومن غرائب الصدف ان فؤاد خريج نفس الدورة التي تخرج فيها عبدالكريم قاسم من المدرسة العسكرية لأبناء العشائر وكان الفرق بينهم وبين الملك غازي صفا واحدا ولكن عاشوا معا في المدرسة العسكرية.

وتخرج بنتيجة واحدة من الكتاب واقوال المرافقين وهي الثناء على وطنية الملك غازي ومديحه في حين ان النقد انصب على الاخرين ومنهم الامير عبدالإله ونوري السعيد وبمناسبة الحديث عن نوري السعيد فان الكتاب يكشف الكتل القوية في العراق كتلة نوري السعيد، وياسين الهاشمي في الجهة المقابلة وقد حاصر ياسين الهاشمي الملك واصدقاء الملك محاصرة شديدة وان كبير المرافقين سيد احمد كان يحصي على الملك انفاسه وحركاته لصالح ياسين الهاشمي الذي كان يمنع اصدقاء الملك من الجلوس معه او السهر معه وقد نجح الملك غازي عن طريق بكر صدقي في كسر الاختراق واراد الملك ان يمضي بعيدا ويزيد عدد الجيش العراقي الى فيلقين بدلا من فرقتين وانه حاول الاتصال مع دول المحور عن طريق بكر ولكن بكر قتل في الموصل، هذه رواية فؤاد عارف التي يمضي فيها قائلا: ان حقيبة كانت مع بكر وقعت في يد الاستخبارات البريطانية واعادوها للملك بعد ان اطلعوا على ما فيها واجهضوا محاولة الاتصال.

لاحظت في كتابات العراقيين ان هناك مواقف في كتابة التاريخ مثلا في كتاب اخر تجد ان الاتهامات تنصب على بكر صدقي وانه اضعف التيار القومي.

ولكن فؤاد في كل روايته يصر على ان الطبقة الحاكمة في العراق عزلت الملك غازي وحاربته وحالت بينه وبين رؤساء العشائر وحرمتهم من النيابة اذا مالوا اليه واحالة العسكريين على التقاعد اذا مالوا اليه.

وحاول الامير (زيد بن الحسين) ان يكون كتلة من الضباط في الجيش لدعم الملك غازي حتى يلتقط انفاسه واتصل بالعقيد اسماعيل حقي وكانت حلقة الوصل بين الامير زيد والضباط الشريف حسين خال الملك غازي.

وروى فؤاد ان الامير زيد اخبره ان اركان الحكومة العراقية كانت غير مرتاحة لدعم الامير زيد للملك غازي (واستخدم كلمة تكرهني) ولذلك قررت ابعاده عن العراق. وذكر فؤاد ان الامير زيد ابعد الى تركيا وبعد يوم واحد قتل الملك غازي، ولما عاد لم يبق يوما واحدا اذ ابعد ثانية عندما حاول رؤية جثمان الملك.ظل فؤاد حيا يرزق لفترة قريبة عندما تابعت اخباره واستطعت ترتيب موعد حالت ظروف دون تنفيذه من قبلي.

كتاب اكاديمي عن مقتل الملك غازي شكل مقتل الملك غازي مادة مثيرة وهناك كتاب للدكتورة رجاء حسين حسني الخطاب استاذ مساعد كلية الاداب/جامعة بغداد، والكتاب بعنوان (المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي).وتذكر رجاء ان فترة حكم الملك غازي كانت فترة قلق وان السنوات الست التي حكم فيها 1933 - 1939 كانت فترة حاسمة وان الانجليز كانوا قلقين على مصالحهم في العراق.

استخدمت رجاء الوثائق البريطانية ومنها مراسلات السفير البريطاني في بغداد مع وزارة الخارجية ومنها مقابلات اصدقاء الملك و(حفظي عزيز) ومنها الارشيف المصور الاهلي ووثائق القصر ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمركز الوطني لحفظ الوثائق.


ويكشف الكتاب نقلا عن وثائق بريطانية منها رسالة السفير في اذار 1939 ان هناك مؤامرة عسكرية للاطاحة بالملك وتنصيب الامير عبدالاله بدلا منه، وصل الخبر للأمير زيد وفي النهاية وصل للملك.

في رسالة اخرى يكشف السفير عن الخطر المتنامي في العراق من الجيش!!وفي وثائق الكتاب شكوى في وثيقة صادرة عن السفارة البريطانية تاريخها 3/1/1939م ان نوري السعيد لا يحب الملك غازي لاسباب عامة وخاصة ومن الاسباب الخاصة الحادث الذي لحق بابن نوري في عميلة طيران لاجل الملك والثانية مصرع جعفرالعسكري من جماعة بكر صدقي وان الملك تغاضى عن مقتل جعفر رفيق نوري في الثورة العربية حسب ما يقول الكاتب.

وتلاحظ ان السفير البريطاني بيترسون انتقد نوري السعيد وقال: انه لم يعد الرجل الذي كان وقال عنه ان شارك في الحكم في العراق منذ عام 1921 دون انقطاع (الحديث عام 1941) وتلاحظ في مراسلات السفارة ان انقلاب بكر صدقي قد احاط مستقبل الملك بالخطر فلو حصل بكر على السلطة كاملة فانه سيعمل على تنحية الملك! ولو عاد ياسين الهاشمي ورفاقه فانه سيقوم بالشيء ذاته..(هذا تقرير للسفارة في 18/11/1939).

كتاب اكاديمي عن وفاة الملك فيصل «الغامضة».
وكتب الدكتور محمد مظفر الادهمي وهو استاذ علوم سياسية كتابا بعنوان «الملك فيصل الاول: دراسات وثائقية في حياته السياسية وظروف مماته الغامضة».

استعرض وثائق ويصل في النهاية الى نتيجة الى ان الملك فيصل قتل مسموما ويتهم نوري السعيد بعمل ذلك وبعلم من بريطانيا ولكن لا يجزم بذلك لكثرة الحلقات المفقودة ويطالب بفحص رفات الملك للتأكد من الروايات.

وقد قابلت الدكتور مظفر الادهمي واطلعني على بحوث نشرتها مجلة المؤرخ العربي وهو مصر في موقفه على ان الوفاة غير طبيعية ولكن لا يجزم.كتابات العراقيين عن الامير عبدالاله كتب العراقيون عن الامير عبدالاله عدة كتب منها:
1- طارق الناصري، عبدالاله الوصي على عرش العراق حياته ودوره السياسي، الجزء الاول والجزء الثاني.
2- سلمان التكريتي
الوصي عبدالاله بن علي يبحث عن عرش 1939 - 1953.هناك كتابات غيرها وبعضها صدر حديثا في فترة غير الفترة التي اتحدث عنها ومن خارج العراق.ولكن لا بد ان اقول ان موقف العراقيين، وقد انعكس ذلك على موقف الكتاب من الملك فيصل الثاني وهناك بعض الكتب التي صدرت عن الملك في نفس الفترة ومنها كتاب احمد فوزي، فيصل الثاني عائلته حياته، مؤلفاته ولا تجد فيه ما تجد من كتابات عن الملك فيصل الاول والملك غازي صحيح ان هناك تعاطفا مع الملك ولكن من المعروف ان المتحكم بالسياسة الداخلية والخارجية هما الامير عبدالاله ونوري السعيد والخلاصة ان الثمانينات من القرن العشرين شهدت نهضة غير عادية في العراق في اعادة كتابة التاريخ وكان ذلك بايعاز من الرئيس صدام نفسه وقد فتح المجال للكتابة عن العهد الهاشمي 1921 - 1958م فانطلق العراقيون يكتبون وقد لاحظت من مقابلاتي الشخصية مع بعض من كتب تلك الكتب انهم بذلوا جهودا غير عادية في البحث والتنقيب.

والخلاصة ان الكتاب كتبوا بتعاطف مع ملوك العراق الثلاثة وتعاملوا معهم كزعامات وطنية وكشفوا عن المشاكل التي واجهها الملوك وبخاصة فيصل الاول وغازي وان الكتل السياسية العراقية كانت نشيطة للغاية وكانت تشارك فعلا في صناعات القرارات السياسية ولكن ما لم يكتبه اولئك الكتاب عن دور الزعامة الناصرية في اختراق تلك الكتل لاحقا وتوفير الدعم لها.


المراجع

ammonnews.net

التصانيف

معلومات عامة   العلوم الاجتماعية