نشرت صحيفة "الدستور" تقريرين للزميل فارس الحباشنة، أحدهما في 3 آذار (مارس) الماضي، والآخر في 27 منه، عن الفتيات العاملات في السياحة (!). يذكر التقرير الأول أن هناك أكثر من 10 آلاف فتاة من دول الاتحاد السوفيتي سابقا وأوروبا الشرقية يعملن في الأردن، بدون رقابة صحية أو إدارية، وبدون إقامات قانونية أو تصاريح عمل، ولكنهن يدخلن إلى المملكة بتأشيرة سياحية لمدة 3 أشهر، ثم يغادرن البلد ويرجعن فورا بتأشيرة جديدة يحصلن عليها تلقائيا في المطار والمراكز الحدودية. وبالطبع، هناك فتيات كثيرات من جنسيات أخرى لا تحتاج إلى تأشيرة لدخول البلاد والإقامة فيها. أما التقرير الثاني، فيتحدث عن أكثر من 120 فتاة "قاصرا" تقل أعمارهن عن 18 عاما يعملن في السياحة (!).
وإذا أضيف إلى السياحة بعض ما يجري مع عاملات المنازل، والعمالة السائبة؛ من تشغيل واتجار طوعي أو قسري أو بمشاركة مع عصابات تجري ترتيبات وغطاء وحماية لأنشطة غير قانونية أو تنطوي على جرائم بشعة، فإننا نكون أمام ظاهرة لا بد أن أرقامها هي أكبر بأضعاف مضاعفة عن العشرة آلاف التي عرضها تقرير الزميل الحباشنة، وأكبر من المائة وعشرين قاصرا.
والظاهرة أيضا ذات أبعاد اجتماعية وثقافية وصحية وأمنية وقانونية، خطيرة ومعقدة ومتشابكة. فإذا أضيف الى ذلك الزواج أو عقود الزواج بغرض التغطية والحماية على هذا النوع من الأنشطة، وتأجير الشقق المفروشة (وهناك تقرير لـ"الدستور" أيضا عن هذا الموضوع نشر في 31 آذار (مارس) الماضي)، وإذا وضعت الظاهرة في سياق الأحداث الإقليمية المحيطة بالأردن، وما تعنيه من ازدياد النشاط "السياحي!" في الأردن، فنحن في مواجهة متوالية من التداعيات التي لا تقف عند "السياحة!". فهناك أمراض خطيرة وبائية، وأزمات اجتماعية وأسرية تضغط على المواطنين أفرادا ومجتمعات؛ إذ تحولت شوارع ومناطق إلى ساحة تضجّ بـ"السياحة!"، لدرجة أن مواطنين رحلوا عن مناطق سكناهم، وباعوا منازلهم أو أجروها مفروشة!
في تقرير الزميل محمود كريشان في "الدستور"، في 31 آذار (مارس) الماضي، يجري تأجير شقق مفروشة بالساعة، وبدون توثيق البيانات، أو ببيانات مزورة. وهنا، وفي جميع الحالات، يؤدي الجانب المجتمعي إلى مشكلات أمنية. فالثقافة المجتمعية التي ترفض هذه الأعمال، تدفع صناعة "الترفيه الجنسي" إلى تجاوزات أمنية وقانونية ومخاطر صحية، لا تقل خطرا وسوءا عن الجرائم المجتمعية والثقافية والأخلاقية!
أعتقد أنه لا مفر من اخضاع هذه الأنشطة للتنظيم القانوني؛ فأن تجري وفق القانون وبعلم المؤسسات المعنية، يعني تقليل الجرائم والسيطرة على المشكلات والمخاطر الأمنية والقانونية والصحية، ومواجهة الاتجار بالبشر. نحن أمام خيارين، تنظيم "السياحة" ضمن ضوابط صحية وقانونية، أو ترك المسألة للسوق السوداء ومواجهة نتائجها. وبالطبع، هناك اقتراح ثالث بديهي سوف يردّ به، هو مكافحة الرذيلة والاتجار بالبشر ومنع الممارسات والأنشطة "الترفيهية". ولكن البشرية، بما فيها المجتمعات الإسلامية، تحاول ذلك منذ آلاف السنين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد