لماذا يواجه الإسلاميون الاحتجاجات الشعبية والنفور العالمي والفشل الاقتصادي والسياسي، بمزيد من التطرف؟ أليس المنطقي أن يواجه الإخوان المسلمون الحالة في مصر بمحاولة التهدئة، وإظهار مزيد من الاعتدال، ولو ظاهريا على الأقل؟ هل يخفى على حركة حماس في غزة أن ما تقوم به من سياسات وقرارات متطرفة، تضيّق على الناس حرياتهم وتزيد ظروفهم السيئة، إنما تساعد إسرائيل، وتستعدي العالم وكل الدول والقوى السياسية، وتحرج أصدقاء ومؤيدي القضية الفلسطينية؟ لماذا تعلن جبهة النصرة التي تقاتل النظام السياسي في سورية في هذه الظروف ولاءها لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، وتضع نفسها في مواجهة العالم، في وقت يفترض فيه أنها بحاجة إلى التأييد العالمي، وأن تجتذب التضامن في مواجهتها مع النظام السوري؟ أليس متوقعا في ظرف مثل ظروف المعارضة السورية أنها تسعى إلى اكتساب الأصدقاء والمؤيدين، وتقليل الأعداء؟
وأقرر سلفا بأني عاجز عن الإجابة عن هذه الأسئلة، أو تفسير ظاهرة مواجهة العالم والخصوم والمنافسين، بل والمؤيدين والمحايدين، بمزيد من التشدد والتنفير! ولا أفهم هذا الحرص على اجتذاب النفور والعداء الذي يضر بالإسلام والمسلمين وقضاياهم، في الوقت الذي يحتاج فيه الإسلاميون إلى الأصدقاء، وفي الوقت الذي تحتاج فيه المجتمعات الإسلامية ودولها إلى مناصرة العالم كله. فلماذا يتبرع الإسلاميون بزيادة الأعداء والعداوة للإسلام والمسلمين، وكأنهم في صف الأعداء، أو مثل الأصدقاء الحمقى الذين يجلبون على أنفسهم وأهليهم وبلادهم مزيدا من القتل والفقر والحصار؟
ربما يكون التشدد يجلب مصالح صغيرة وضيقة في التنافس بين جماعات الإسلام السياسي على الأنصار والمؤيدين، اعتقاداً منها أن التشدد يزيد المؤيدين من المتدينين. وربما يكون التشدد هروباً من الأزمة إلى أزمة، أو تعبيراً عن الإدراك والشعور بأن التأزيم يخدم بقاء هذه الجماعات، فيما الاستقرار يضرها ويذهب بها؛ فهي أقدر على العمل وكسب الأنصار في ظل الأزمات، ولكنها لا تملك القدرة على المحافظة على ثقة الناس في مواجهة متطلبات البناء والتنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي.
يكاد المحلل يغامر بالقول إنها جماعات مخترقة؛ يسهل استدراجها وتسخيرها لأهداف وأغراض تختلف عن أهدافها المفترضة. وأن هذه الجماعات، بطبيعتها الغامضة والباطنية وبنيتها السرية وهرميتها المفرطة، قابلة للتحول إلى فيروس متسلل في جسم الأمة والمجتمعات، والقضايا التي تعمل لأجلها. وربما تكون المسألة سيكولوجية متصلة بما ينشئه التشدد من غرابة في السلوك والفكر والأطوار، وأنه يمضي بأصحابه وبالناس إلى حالة من غياب الوعي والإدراك والانفصال عن الواقع.
الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، لا تملك اليوم إلا أن تتمسك بالاعتدال والوسطية والإصلاح، والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وألا تستدرَج أو تدعَ نفسها تستسلم لإغواء التشدد بلا إدراك كاف لمصالحها وأولوياتها والمخاطر التي تهددها، وألا تدع الغضب من الأوضاع القائمة يقودها إلى ما هو أسوأ من ذلك، فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد