المايا (فن ـ)
 
 
 
تعد حضارة المايا واحدة من ألمع الحضارات في أمريكا الوسطى كلها، وقد بلغ هنود المايا الحمر في القرون الأولى للميلاد درجة من الرقي أهّلتهم لتطور لم ينقطع قروناً عدة. كانت أراضي شعب المايا تقع في المكسيك وغواتيمالا وهندوراس Honduras، وقد جعلت أهمية حضارة المايا كثيراً من الباحثين يطلقون على شعب المايا اسم إغريق العالم الجديد. وازدهرت حضارة المايا في المرحلة الواقعة بين القرنين الثاني والعاشر الميلاديين.
 
امتدت امبراطورية المايا من يوكاتان Yucatán إلى هندوراس الحاليتين، وكان موطن السكان الأول منطقة بيتن Petén ويتيكال وأواكساكتون Uaxactún. والجدير بالذكر أن مدن شعب المايا كانت من نوع المدينة الدولة Cité-État يحكمها حكام بالوراثة وسدنة من رجال الدين وأشراف.
 
قامت الامبراطورية الجديدة لشعب المايا ببناء مدن جديدة وذلك بعد هجر المدن القديمة لأسباب مختلفة. ومن هذه المدن: شيشن - إيتسا Chichén- Itzá وأوكسمال Uxmal وبالينك Palenque وبونَمباك Bonampak وكوبان Copán وغيرها.
 
 
نقش المايا يصور التضحية بالدم
 
عانى شعب المايا كثيراً الحروبَ والأزمات الاقتصادية. وكانت ديانته ذات طابع زراعي. وكان كتابهم المقدس يتضمن قصصاً أسطورية ومعلومات عن تشكل الكون. وقد تميزت عمارة شعب المايا بروعة الضخامة، والجمالية الشاقولية المتجهة نحو عالم السماء، وثمة مبادئ مشتركة في كل الحضارات السابقة لمجيء كولومبوس Précolombiennes، إذ كان المايا يشيّدون معابدهم فوق أهرامات فسيحة مبنية من مداميك متراكبة، وكان في كل واجهة من واجهات الهرم سلم حجري مُقصب بعناية يؤدي إلى المعبد المزين داخله برسوم جدارية، وكانت تزين محيط الطابق الوحيد وفرة من الزخارف المصنوعة من مسحوق الرخام. وكانت بعض المصاطب الهرمية تغطي حجرات مُعدة للدفن، وقد زُينت هذه المصاطب بزخارف تمثل الرموز المتصلة بالسماء والخطوط المميزة للانقلاب والاعتدال الشمسي. وكان الكهنة حين شروق الشمس يلاحظونها وهي تبزغ عند النقطة التي تحددها تلك الخطوط فيستعينون بتلك الملاحظات على التحكم في الدورات الزراعية.
 
ومن روائعهم المعمارية أيضاً مرصد فلكي مؤلف من مجموعة أهرامات في أواكساكتون يعلوها برج مربع أو أسطواني، ومبنى معبد شيشن، وقصر الحاكم، ومكان إقامة الراهبات رباعي الأضلاع، وهرم الإله في أوكسمال، ومعبد السجلات أو المخطوطات التي اكتشفت عام 1952 تحت بلاطة رائعة النحت دائرية ومحدبة، تمثل شجرة الحياة. وثمة هيكل عظمي لملك - كاهن مغطى بالزخارف والأحجار الكريمة، وقناع رائع الجمال في متحف الآثار بالمكسيك، ولابد من الإشارة هنا إلى أن أشغال الرخام الكاذب لم تبلغ ما بلغته من دقة وجمال كما في مدينة بالينك، وهذا ما تدل عليه منحوتات لشخوص من المحاربين بحجومهم الطبيعية، عُثر عليها في سرداب معبد المخطوطات.
 
كان المعماريون يحرصون على ملاءمة المبنى مع طبوغرافية المكان، وقد تميزت عمارتهم الحجرية بتقارب مداميك أحجار الجدارين في جانبي المدخل وتغطيتها بساكف (عارضة فوق الأعمدة أو في أعلى الفتحات) في أعلاها، كما تميزت المباني بكسوتها الحجرية أو الجصية. ويعد الدبلوماسي جون ستيفنز John L. Stevens في طليعة من نشر كتاباً عن رحلته وصف فيه الأطلال وزينه بصور نفّذها مرافِقه المصور الإنكليزي كاثروود F.Catherwood؛ مما أثار اهتمام علماء الآثار، مثل الفرنسي شارني D.Charnay والإنكليزي ألفرد مودسلي Alfred P. Maudslay اللذين تعرفا عدداً من المواقع الأثرية وأهديا متحف الإثنوغرافيا في باريس والمتحف البريطاني في لندن بعضاً مما جمعاه من لقى مهمة. فكانت بداية التنقيبات الأثرية في بداية القرن العشرين.
 
 
التصوير الجداري المكتشف في معبد التصوير في بونمباك
 
في عهد التولتيك المتأثر بحضارة المايا عمل القائمون على شؤون البلاد على إعطاء العمارة صفة رسمية من دون أن يؤدي ذلك إلى نقصان في أعداد المعابد: ففي شيشن - إيتا هناك معبد الجاغوار ومعبد المحاربين والأعمدة الألف التي تفضي إليه، وهناك الـ«تزومبانتلي» الذي يكدسون عليه جماجم الضحايا بمنحوتاته البارزة لرؤوس الأعداء، و«السوق»، و«القصر»، وتعد جميعها مع تمثيل لعبة «التنس»، إضافة إلى قبر «الكاهن الأعظم» واحدة من أهم المجموعات في تولتيكو- مايا. إن تراكب العناصر العائدة إلى هاتين الحاضرتين يميز نحت تلك المرحلة بظهور القناع المزود بأنف طويل كالخرطوم لإله المطر عند التولتيك، وشاك chac ممثل نجمة الصبح.
 
 
نماذج من نقوش المايا
 
الجوهري في نحت المايا أنه كان على الدوام نحتاً مؤسلباً stylisée للغاية وتزيينياً، وتدل على ذلك المنحوتات البارزة. وقد نُعت هذا الفن بالباروكي Baroque لشدة إسرافه بالزخارف. فالرموز السماوية (وارتباطها الوثيق بتقويم المايا)، والأشكال الهيروغليفية hiéroglyphes، والوجوه الإنسانية المرئية من الجانب، والمزينة بالريش، والصيغ motifs أو العناصر الهندسية كانت ثابتة ودائمة في فن المايا. في حين كان النحت الدائري المحدب نادراً، على الرغم من المسلات الرائعة التي عثر عليها في كوبان. ومع ذلك لابد من الإشارة إلى العدد الوافر من التماثيل الصغيرة والمصنوعة من الطين المشوي وإلى تنوعها الذي لا مثيل له (رؤساء، وكهنة، ومحاربون، ولاعبو كرة «الباسك»، وممثلون، وراقصون).
 
 
منحوتة بارزة من بالنيك تـمثل الحاكم  أوباكال
 كـي ـ إنيتـش
 
لم يبق من التصوير الجداري الفني للمايا إلا مجموعة الفريسك fresque الشهيرة المكتشفة عام 1945 في المعبد المعروف بمعبد التصوير في بونمباك (القرن السابع الميلادي) ثلاث غرف من هذا المبنى كاملة الزينة، في الأولى يظهر أصحاب المقام الرفيع بانتظار موافقة الملك - الحاكم على استقبالهم إلى حين انتهائه من زينته، وثمة راقصون وموسيقيون يشغلون مجموعة من أربع لوحات داخلية، والغرفة الثانية تمثل معركة في الغابة، ومن ثم انتصار الملك، وفي الغرفة الثالثة تتوزع مشاهد تتعلق بتمجيد النصر.
 
انتشرت لدى شعب المايا الخزافة والصياغة على نحو واسع؛ وثمة مراحل خمس يتوزع فيها إنتاج غزير من الخزف céramique المشتمل على تماثيل وأطباق وصحون وأوانٍ وأطباق ثلاثية القوائم وزهريات محززة ومزينة برسوم زخرفية متنوعة، أما صياغة الذهب فكانت من اختصاص مدينة شيشن إيتسا، وبراعتها في صياغة الجواهر وصنع الأقراص disques.
 
ولابد من الإشارة إلى ما عثر عليه من مخطوطات من الورق الطويل المصنوع من الألياف النباتية، وتتميز هذه المخطوطات برسوم ترافق النص الكتابي، وقد ضاع معظمها أو حرق بأمر من أسقف ميريدا، وحفظ ما بقي منها في المكتبة الوطنية في باريس ومدريد ودرسدن.
 
كان شعب المايا ذا حضارة وفنون راقية، وقد جذبت جمالية منحوتاته أنظار مؤرخي الفن في مختلف أقطار العالم، ودفعت عدداً من الفنانين إلى التأثر بها في إنتاجهم الفني الحديث.
 
بشير زهدي
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث