أعلن مركز الأردن الجديد للدراسات في بيان صحفي توقف أنشطته إلى أمد غير معلوم بعد 28 عاما من العمل البحثي المتميز في مجالات السياسة والتنمية الديمقراطية والاقتصادية. بدأت هذه المسيرة بصدور مجلة “الأردن الجديد” في تموز/ يوليو 1984، كدورية فصلية بحثية ثقافية، إنطلاقاً من نيقوسيا، قبرص واستمرت كمنبر وطني ديمقراطي نقدي حتى صدور آخر عدد منها في عمان، في 1/5/1991. وقد دخلت “الأردن الجديد” مرحلة ثانية مع تسجيلها كمؤسسة بحثية مستقلة، في نيسان/ أبريل 1990، واضعة لنفسها هدف تقوية المجتمع المدني ودعم الانتقال الديمقراطي في الأردن والعالم العربي، وتوفير منبر للحوار الوطني حول الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبناء توافقات وطنية حوله.
من الصعب جدا حصر المطبوعات والنشاطات والمؤتمرات والدراسات التي قام بها المركز في السنوات الماضية، والتي تضمنت مشاركة الآلاف من الباحثين والنشطاء الأردنيين. ومن يتابع إصدارات ونشاطات المركز سيجد تنوعا هائلا في المواضيع والقضايا وتواجد لنخبة العمل السياسي الأردني خاصة المعارضين اليساريين والقوميين والذي تحولوا إلى وزراء ومسؤولين رسميين في السنوات القليلة الأخيرة. لقد غطى المركز فراغا كبيرا في البحث السياسي والاجتماعي في الأردن وكان يمكن لدولة أكثر تقبلا للرأي العلمي والبحثي أن تعتمد على توصيات ودراسات المركز في اتخاذ قراراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولكن طبيعة الدولة الأردنية وبكل أسف ليست صديقة لمراكز البحث.
أسباب أخرى أدت إلى تراجع دور المركز ومنها نضوب مصادر التمويل المحلية والعربية وتشتت مصادر التمويل الأجنبي. في بداية العمل كان المركز واحدا من عدد قليل من المؤسسات البحثية التي كانت تحظى بدعم من مؤسسات دولية وسفارات. ولكن في السنوات القليلة الماضية تكاثرت منظمات المجتمع المدني نتيجة “إنشقاق” بعض الباحثين والنشطاء من المراكز القديمة بعد اكتسابهم الخبرة وإنشائهم لمنظمات جديدة تمكنت من اجتذاب تمويل سريع وبقضايا أحيانا ذات طبيعة سطحية مع جهد قليل وبالحد الأدنى من المتابعة والتقييم، وقد ساهمت للأسف المؤسسات المانحة في هذا التشتت.
توقف أنشطة المركز هو مؤشر سلبي على تراجع الاهتمام بالبحث العلمي الجاد في قضايا السياسة والاجتماع، والتركيز على الأداء “الخفيف” والدعائي الذي اصبح مرافقا للكثير من المنظمات الجديدة في المجتمع المدني أو المنظمات الكبرى التي تحظى بالنفوذ السياسي والقدرة على الحصول على تمويل مستمر وكبير من المؤسسات المانحة.
حسب البيان الصحافي الذي اصدره المركز يوم أمس سيعاد النظر في طبيعة وهوية عمل المركز في زمن الربيع العربي بحيث يأخذ بالاعتبار توجهه أولاً نحو تلبية الاحتياجات التنموية للمحافظات والفئات الاجتماعية الضعيفة، ولتمكين النساء والشباب، من خلال العمل المشترك مع القوى الاجتماعية والفكرية الحية على صياغة نموذج تنموي بديل، يعظم من أهمية الموارد البشرية ومن الإبداع والريادة واقتصاديات المعرفة والثقافة والفنون، بما يسمح ببناء اقتصاد انتاجي وابداعي قادر على توليد فرص عمل متجددة. بالطبع يحتاج ذلك إلى تنويع مصادر التمويل والتركيز على المصادر المحلية والقطاع الخاص الذي يجب أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية الاجتماعية المطلوبة.
توقف أنشطة مركز الأردن الجديد خسارة لكل العاملين فيه ولكل من شارك في نشاطاته ولكنه ايضا خسارة للبلد حتى لو لم تكن الدولة الأردنية ومؤسساتها مهتمة بهذا الأمر، لأن الدول المتقدمة تحاول دائما صياغة قراراتها بناء على توصيات مستمدة من دراسات ومعلومات صحيحة. مؤسسة الأردن الجديد وصلت إلى طريق مسدود في وقت بات فيه الأردن بأمس الحاجة إلى تطبيق مناهج الإصلاح التي روج لها المركز منذ 20 عاما، وهذه مصادفة تستحق التفكير العميق.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور