بشكل حتمي يتسارع منحنى التغيير في سوريا بعد وصول القتال إلى دمشق، والضربة النوعية الهائلة في قتل نخبة صناعة القرار الأمني في النظام السوري. واهم من يعتقد أن النظام السوري سيبقى أكثر من بضعة اسابيع بالحد الأقصى، وعلى الجميع منذ الآن الاستعداد لمرحلة ما بعد نظام الأسد بكافة تداعياتها والسيناريوهات المتوقعة منها.

منذ بداية الثورة السورية لم يكن الرهان على الدعم الخارجي كبيرا لأن الثمن باهظ ولأن الاهتمام قليل بعكس ما حدث في ليبيا، وكان واضحا أن الشعب السوري والفئات التي قررت التسلح منه هي التي سوف تدفع الثمن الأكبر في عملية إسقاط النظام الذي استباح كافة المحرمات الأخلاقية والإنسانية في جرائمه ضد شعبه. العاملان الأساسيان كانا وصول الانتفاضة إلى دمشق وهذا ما تأخر لمدة 450 يوما، وانشقاق عدد كبير من الضباط المؤثرين وتزايد قوة وتسليح الجيش الحر وهذا ما يحدث حاليا. بالنسبة للتدخل الخارجي فلن يحدث لأن بقاء نظام الأسد أكثر سلامة لدى القوى الغربية وحتى إسرائيل من قيام نظام مجهول المعالم، وكذلك الحال لمعظم الدول في المنطقة.

باستثناء إيران ذات الدعم الطائفي، وروسيا والصين فقد النظام السوري كل قنوات الاتصال مع العالم ولم يعد خطابه البائس حول المؤامرة الخارجية الإمبريالية الصهيونية...الخ يجدي نفعا أمام حمام من الدم جعل كل ما ارتكبته إسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين واللبنانيين لا يقارن بالمذابح التي ارتكبها النظام السوري ضد شعبه. ما يحدث حاليا في سوريا هو بوابة مفتوحة على التغيير ولكن التخوف هو من العواقب.

السؤال الأول والأهم هو حول الجهة التي ستمسك بمقاليد القوة بعد السقوط الحتمي لنظام الأسد. الجيش السوري الحر هو الذي يقود المعركة حاليا على الصعيد العسكري وهنالك ايضا المجلس الانتقالي على الصعيد السياسي وليس واضحا مدى التنسيق بين الطرفين في كيفية إدارة مرحلة ما بعد السقوط. احتمال آخر قد يزداد منطقية هو قيام انقلاب عسكري من داخل مؤسسة الجيش (يفضل أن يكون سنيا-علويا مشتركا) يزيل فيه نظام الأسد وعصابته الطائفية ويسيطر على الأمن وربما يتفاوض مع الجيش الحر ومع المجلس الانتقالي لضمان الأمن.

الخوف الأكبر هو من الفوضى الأمنية ومن عمليات انتقام واسعة ضد العلويين نتيجة إرث 40 سنة من القمع الطائفي الذي وصل ذروته في الأيام والاسابيع الماضية، وكذلك انتشار السلفيين الجهاديين على الأراضي السورية. سيكون من العجيب أن حكومات دول مثل إيران والعراق قد تنقلب مواقفها تجاه سوريا بعد سقوط النظام وتفضل وجود سلطة مدنية سنية أفضل من فوضى تنتشر فيها الجهادية السلفية السنية.

بالنسبة لنا في الأردن، كانت إدارة الأزمة مع سوريا متميزة إذ وضعت الأردن في موقف سليم أخلاقيا وسياسيا بحيث تم الدمج ما بين دوره في منح المساعدات الإنسانية للأشقاء السوريين وحماية المصالح الأردنية من خلال الحد المطلوب من الاتصال الدبلوماسي مع النظام السوري وعدم السماح بعمل عسكري من الأراضي الأردنية ولكن في نفس الوقت بقاء الجاهزية الأمنية والعسكرية قائمة في حال حاول النظام السوري نقل الأزمة إلى الخارج.

وجه سوريا سيتغير، ونتمنى أن يتحول إلى دولة مدنية ديمقراطية مستقرة لجميع مواطنيها كما يستحق الشعب السوري بعد عقود طويلة من الاستبداد والفساد.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور