ممدوح الشريف (الخطاط ـ)
 
(1885ـ 1934)
 
 
ولد ممدوح الشريف الحسيني المكي العقيلي في دمشق، ويرجع نسبه إلى السادة الأشراف. أحب فنون الخط العربي والرسم مبكراً، واستقى من طبيعة دمشق وبيوتها وأحيائها تذوقه للجمال والفن، وكان الأثر الأكبر لازدياد تعلقه بالخط قدوم الخطاط التركي يوسف رسا إلى دمشق موفداً من السلطان عبد الحميد ليخطط لوحات المسجد الأموي، فتتلمذ عليه وتعلم قواعد خطي الثلث والنسخ، كما تتلمذ على يد الخطاط موسى الشلبي ودرس قواعد خطوط الثلث والكوفي بأنواعه والديواني والتعليق والرقعة، ثم افتتح مكتباً له في سوق مدحت باشا تجاه سوق الخياطين، ليكون محترفاً لفنون الخط والرسم والإعلان، وليدرب فيه عدداً من التلاميذ، ومنهم من ساعده في عمله، ليصبح ملتقى لعشاق فن الخط ورواده، وذاع اسمه وطُلبت خطوطه من معظم البلدان العربية ولاسيما في العراق والحجاز.
صرف جلّ وقته لفن الخط مخلصاً له، ودؤوباً في إجادته، فهو الأستاذ لأشهر خطاطي زمانه، وهو الفنان المبدع، والمكتشف الدائم لجماليات فن الخط، وهو المؤثر في جيل الخطاطين بتجربته المميزة والتي تركت آثارها سنوات طوالاً بعده. لم يتزوج وعاش قصة حب لم تنته إلا بوفاته. أعطى عمله كل الوقت، ولم يدخر جهداً للتطوير والرؤية الجديدة، وغدا حجة في خطوط الكوفي بأنواعه وأشكاله، من خلال تركيبات ظهر التقعير في بعضها وصعبت قراءتها حيناً، وازدانت بحسها الزخرفي الخلاب حيناً آخر، فكانت آيات جمالية، وتكيَّف بخط الثلث وفقاً لحسِّه دونما تقيد بالقواعد الصارمة، ومبتكراً تركيباته الخاصة التي توزع الخطوط وتملأ الفراغات بالشكل الذي يحقق التوازن المطلوب، ولم تكن إنجازاته في خط الديوان الجلي بأقل أهمية إبداعية، فقد ظهرت الحروف بكامل حلتها الجميلة، وبأعذب الألحان التي تعزفها من خلال صعودها وهبوطها والتفافها وانحناءاتها.
وقد ثابر في خط التعليق على التوزيع الدقيق لتوضع الحروف والكلمات لإظهار الاتزان المحسوب دائماً، وتُوِّج معلماً في خط الرقعة، في حين شكل توقيعه فرادة، اتسمت بتعدد صورها وتنوع أحجامها وتغير مكانها من أسفل إلى وسط إلى يمين أو يسار العمل الفني.
تتلمذ على يده خطاط الشام الأول محمد بدوي الديراني  (1894- 1967) الذي لازمه مدة سبع عشرة سنة، وصارا صديقين، وعمل معه في المحترف والتدريس، وتعلم منه خطوط الثلث والكوفي والديواني والرقعة والنسخ، كما تتلمذ على يديه الخطاط حلمي حباب (1909- 2000) الذي رافقه في مكتبه حتى وفاته، وأخذ عنه قواعد خطوط الرقعة والثلث والتعليق والنسخ والكوفي بأنواعه والديواني بنوعيه الجلي والرقعي.
 
لوحة بخط الكوفي للخطاط ممدوح الشريف نفذت عام 1344هـ فيها تكوينان يظهران المستوى المتقدم لابتكار غير مسبوق في عبارتي "توكلت على الله "و"هذا من فضل ربي"
عمل ممدوح بدأب ونشاط وكان كريماً معطاءً محباً دوماً لعمله مخلصاً ومتقناً لفنه؛ درَّس الخط في مدارس دمشق كالمدرسة الكاملية، والكلية العلمية الوطنية (المدرسة الأهلية المؤسَّسَة 1907) ومدرسة البحصة، ومدرسة الملك الظاهر، ومكتب عنبر، إضافة إلى عمله خبيراً للخطوط لدى محاكم دمشق.
 
لوحة بخط الثلث للخطاط ممدوح الشريف تظهر خصوصية الشريف وابتعاده عن المألوف في التركيب والتكوين
خلف ممدوح كنزاً إبداعياً ثراً من الأعمال الخطية بمختلف أنواع الخطوط، وبتقانات متعددة من أحبار وألوان ومواد، منها ثلاثة أمثلة:
- اللوحات الثلاث لجمعية الإسعاف الخيري بدمشق بخط الثلث منفذة بالحجر النافر المذهب على خلفية قاتمة سنة 1349هـ.
- لوحة «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» بخط التعليق في مسجد الحسني والمؤرخة سنة 1344هـ.
- لوحة «يا حافظ» بخط الثلث ضمن تكوين بيضوي وتحمل توقيعه الموضوع في منتصف الجهة اليسرى من اللوحة، والمؤرخ سنة 1351هـ.
عانى ممدوح المرض حتى وفاته، فشيعته دمشق بموكب مهيب ضم محبيه ومعجبيه وتلامذته، ودُفن في مقبرة باب الصغير بجوار ضريح الصحابي بلال الحبشي (مؤذن رسول الله r) علا شاهدة قبره طربوش، كتب على الشاهدة تلميذه حلمي حباب أبيات الشعر الآتية:
جاد الرضا رمساً أودعت                         أقلامنا مع ملكها روحها
فاسترسلت أعيننا بالبكا                           حزناً وبات القلب مجروحها
والفضل نادى آسفا أرّخوا                        بكت فنون الخط ممدوحها
 
 
 
 
محمد غنوم
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث