نشر الموقع الإلكتروني للصحيفة اليومية " أخبار الأرض " في 18/11/2010 ، مقالاً سياحياً بقلم الصحفي " ستيفانو كاسبريني " تحت عنوان " سورية ، رحلة على خطى لورنس العرب " جاء فيه ما يلي :
سورية ، مهد حضارة قديمة ، بدأت حشود السياح باكتشافها رويداً ، خاصةً بعد أن أصبحت مفتوحة أمام الجميع ، يكفي أن تكون لدى روح المغامرة وأن يتاح له دليل ماهر لزيارتها دون اللجوء إلى المكاتب السياحية ، لاكتشاف قلاع القرون الوسطى ، وسوق حلب ، وطريق الحرير، ومسجد أمية الكبير في العاصمة دمشق ، والمدن المنسية ، وهي بعض نماذج من الروائع التي تجتذب السائح .
وقد كان البلد وجهة سياحية قليل من يختارها ، باستثناء عشاق الآثار ، بسبب مايشاع من أن سورية بلد يثير القلق ، بشكل غير مبرر ولا أساس له من الصحة .
ولهذا دفعنا الفضول وحبنا للتاريخ إلى التوجه إلى سورية ، دون اللجوء إلى مكتب سياحي ، حيث قررنا استئجار سيارة والتزود بخارطة كبيرة ، كي نتجول وحدنا ، لاستكشاف روائع أقدم بلد في العالم .
وصلنا إلى مطار دمشق، وبدأنا بزيارة المدينة التي يقال أنها المدينة الوحيدة في العالم التي مازالت مأهولة منذ فجر التاريخ .
كانت محطتنا الأولى في المسجد الأموي ، حيث رأينا حشداً مدهشاً من المؤمنين ، بين نسوة يرتدين السواد ، وقد أسدلت بعضهن حجاباً على وجهها، ورجال بأردية واسعة ولحى طويلة ينصتون لإمام يلقي موعظة بصوت مرتفع .
المدينة القديمة جميلة للغاية ، والسوق هادىء نسبياً ، وليس هناك من يحاصرك لتشتري بضاعته . ولمسنا بارتياح ، أن السياحة الجماعية الصاخبة ، لم تصل بعد إلى سورية رغم الانفتاح . توقفنا للاستراحة ، وللإبحار أيضاً على شبكة الانترنيت ، في مقهى "معلاية " وهو مقهى وسط المدينة العتيقة ولكنه ذو مناخ شاب منفتح . من أجل تناول العشاء
توجهنا إلى مطعم "إيلاس "حيث يمكن التمتع من الشرفة برؤية مآذن مسجد أمية ، ونوافذه المضاءة بألوان خضراء تبرز مشعة بين أنوار المدينة . لاحظنا في المطعم عدم وجود البيرة والمشروبات الكحولية على اللوائح ، لأنها محرمة دينياً .
توجهت للمبيت في فندق "قصر الشوق" ، الذي بني عام 1934 مقابل محطة الحجاز للسكك الحديدية . تشيع في هذا الفندق جاذبية غير مكتملة ، حيث نجد في الطابق الأرضي ردهة واسعة مفروشة بمقاعد طراز " ليبرتي " ذات لون أخضر، ومرايا ضخمة وثريات رائعة قديمة الطراز ، ولكنه بحاجة ماسة للترميم( وخاصة الحمامات ) ، وإن كان ذلك لا ينتقص من متعة المرء صعود الدرج المرمري الكبير ، متخيلاً أنه عاد إلى الأيام الخوالي ، التي كان فيها أفضل فنادق العاصمة ، الذي يروده المشاهير والزوار لتناول الشاي قبل أن يستقلوا القطار الذي يعبر صحراء الحجاز .
تدمر، المدينة الرومانية:
دمشق مدينة تحلو الإقامة فيها أكثر من حلب الصاخبة الواقعة على بعد 350 كم شمالاً . يكفي أثناء تجوالك في دمشق أن تجتاز عتبة إحدى البوابات ، أو أن تدخل إحدى البوابات ، أو أن تدخل إحدى الساحات الصغيرة لتجد واحة سلام بعيداً عن ازدحام السوق الرئيسية . بعد بضعة أيام في العاصمة قررنا الذهاب إلى تدمر، حيث وصل الرومان ليتركوا وراءهم عبر الزمن ، أقواس مزخرفة ، وأعمدة هائلة، ومسارح تشهد على أمجادهم . وتعتبر تدمر واحداً من أهم وأجمل المواقع الأثرية التي تستحق أكثر من يوم لزيارتها . غادرنا المدينة وقد فاجأنا المساء. ضللنا الطريق ، ولكن دماثة ولطف سائق شاحنة ساعدنا على تصحيح وجهتنا نحو الرقة. وصلنا المدينة في ساعة متأخرة. وبدت لنا مدينة مغبرة ، خالية من الأنشطة ، ولكن دماثة السوريين أنقذتنا مرة أخرى أثناء بحثنا عن فندق نقضي فيه الليلة ، فقد تبرع شابان بالصعود إلى السيارة ، ثم إيصالنا إلى الفندق الوحيد الموجود . صعدنا إلى الغرفة دون أن نتمكن من الإخلاد للنوم ، بسبب موسيقا صاخبة عكرت هدوء ليل الصحراء . وهكذا قررنا القيام بجولة استكشافية، حيث قابلنا هناك رجل وقور ، أنيق يرتدي ثوباً أبيض وكوفية حمراء ودعانا إلى الدخول. كان هناك حفلة عرس ، حيث استقبلنا الجميع بابتسامات مرحبة. شد الرجال على أيدينا وهم يرددون أهلاً وسهلاً بالعربية والإنكليزية ، بينما تجمعت حولنا النسوة والأطفال ، وبدأت مراسم التقاط الصور والدعوات لتناول الحلوى . لم نرفض شيئاً مما قدم لنا ، وشاركنا بالرقص والغناء. ثم جلسنا منهكين وقد تحلق القوم حولنا، لنتجاذب أطراف الحديث، كفرصة حقيقية للتبادل الثقافي، بمساعدة فتاة تتحدث الإنكليزية . وقد أعربوا عن دهشتهم ، لأننا في إيطاليا نتزوج بعد الثلاثين من العمر ، ونكتفي بعدد قليل جداً من الأولاد ، بعكس ما يحدث في سورية .
حلب
بعد إفطار سخي قدمه لنا حارس قلعة تشرف على نهر الفرات ، غادرنا إلى حلب ، المدينة الصاخبة وسط حركة المرور الكثيفة ، حيث بدا أن قانون المرور الوحيد السائد بين السائقين هو إطلاق الزمامير. من الممتع للغاية زيارة القلعة، والضياع في متاهات السوق الكبيرة، بين سلال التوابل ، وروائح البخور ، ومحلات الصياغة والسجاد والأقمشة واللحوم المعلقة خارج حوانيت الجزارين.
توقفنا مساء لزيارة فندق بارون الشهير، حيث مازالت تعبق ذكريات زواره من المشاهير، مثل لورنس العرب ، وأغاثا كريستي، وجمال عبد الناصر، وشارلز ليندبرغ ، ويوري غاغارين، وحتى الرئيس روزفلت ورو كفلر. كما تمتعنا في اليوم التالي بزيارة المدينة المنسية، وآثارها من العصر البيزنطي التي تدل يد الإهمال، والنباتات التي تغطيها ، أنها منسية فعلاً. على عكس مدينة إيبلا، التي مازالت منذ الستينات تهدي علماء الآثار ، بإشراف البروفسور الإيطالي باولو ماتيه ، مكتشفات رائعة تعود إلى نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد .
قلعة الحصن
قطعنا مسافة طويلة باتجاه الجنوب ، وتوقفنا في السهل الذي شهد عبور عديد من الأقوام ، ومنها الصليبيون . رفعنا أنظارنا نحو الهضبة متأملين بنوع من التهيب قلعة الحصن الشامخة الرائعة، وسط الأسوار العتيقة وما تخللها من أبراج ما تزال صامدة ، تشرف بكبرياء . خيل لنا أننا نسمع صراخ الجنود ، وصليل السيوف ، وقعقعة الجياد. تصورنا الفرسان الصليبيين يتجولون وراء السور ، متهيئين لصد تهديدات المسلمين الذين كانوا يعتبرونهم أقل مرتبة ، وأنهم يعتقدون بإله يختلف عن رب المسيح ، وربما كانو عقبة في وجه التطور ، هذا قبل أن يكتشف الغرب نفسه أن المسلمين كانوا يفوقونه ثقافة وعلماً وحضارة . زرنا بعد ذلك قلعة المرقب قرب شاطئ طرطوس، التي وصفها لورنس العرب بأنها أجمل قلاع القرون الوسطى الموجودة في الشرق الأوسط .
من أجل الاستراحة والاسترخاء، ليس هناك أفضل من حماة، مدينة النواعير. مدينة هادئة خضراء تنام بهدوء على شاطئ نهر العاصي . مدينة مضيافة ، وأكثر منها سكانها. تأملنا ونحن وقوفاً فوق جسر صغير فوق النهر فتياناً يصطادون الأسماك بأيديهم وقد غطى الطين أقدامهم ، في حين اقترب من طفل في العاشرة من عمره ليسألنا بإنكليزية سليمة من نحن ، ومن أين أتينا قبل أن يدعونا لمشاركة أسرته في تناول طعام صفات أطباقه على مفرش نظيف فوق حشائش الحديقة ، اختتمنا زيارتنا مع تلك الأسرة اللطيفة ، دون أن تمحو بشاشتها الذكريات الجميلة التي مازالت ترودنا ، عن دماثة كافة الأشخاص الذين التقينا بهم خلال جولتنا السورية
المراجع
موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث
التصانيف
تصنيف :الجغرافيا