المنمنمات (فن ـ)
فن المنمنمات L’art de la miniature هو أحد الفنون التقليدية في البلدان الإسلامية، وبعض البلدان الآسيوية والأوربية، والمنمنمة هي صورة فنية صغيرة الحجم، رسمت في كتاب من أجل توضيح المضمون الأدبي أو العلمي أو الاجتماعي أو غير ذلك من الموضوعات التي حفلت بها الكتب والمخطوطات في العصور الوسطى، وتعد المنمنمات صوراً تسجيلية للحياة والبيئة والعادات والمعتقدات والطقوس والأحداث التاريخية والعمارة والزي والفنون، فضلاً عن قيمتها الفنية التي تطورت عبر التاريخ.
ويشبه تصوير المنمنمات التصوير بألوان الغواش، ويمكن استعمال الألوان المائية في تصويرها، ويعد ورق (رق الغزال) المعروف باسم «برجامين» من أفضل السطوح المناسبة لرسم المنمنمات إضافة إلى العاج وبعض أنواع الألواح الخشبية والورقية الناعمة والزجاج، وهي تُرسم بخطوط ناعمة خفيفة ثم تكسوها الظلال والألوان المائية والمذهبة.
كان لصناعة الورق التي انتشرت في العصر العباسي الأثر الواضح في فن تصوير الكتب والمخطوطات، فقد استعيض عن الرقاق التي كانت مستعملة بالورق الذي أُدخلت صناعته عن طريق سمرقند بعد انتشاره في الصين، فوجد فيه الناسخون العرب حقلاً رحباً لإبداعاتهم الكتابية والتصويرية.
وفي نهاية القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي تكونت أول مدرسة للتصوير العربي في بلاد الرافدين وأقدمها، ومن المرجح أنّ هذه المدرسة نشأت أول الأمر في شمالي العراق، وكان مركزها غالباً مدينة الموصل التي نشطت في ترجمة المؤلفات اليونانية في علوم الطب والطبيعة والنبات والحيوان، ثم تكونت بعد ذلك في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي مدرسة تصوير أخرى في بغداد، كما تكونت أيضاً مدارس في ديار بكر وماردين وحلب وهي مراكز حكم بني أرتق، مع أنّ مراكز إنتاج هذه المدرسة الرافدية كانت في أملاك السلاجقة، فقد كانت عربية أكثر منها إيرانية، كما يظهر في أسلوب بعض صورها التأثر بصور المخطوطات البيزنطية.
وفي بلاد الشام ومصر نشأت مدرسة مملوكية لتصوير الكتب والمخطوطات في الوقت الذي انحسرت فيه مدرسة الرافدين عقب الدمار الذي لحق بالعراق على أيدي المغول، واستمر ذلك حتى نهاية القرن الرابع عشر.
مدرسة بلاد الرافدين
تضم مدرسة بلاد الرافدين نتاج الفنانين العرب في بغداد والبصرة والكوفة والموصل وديار بكر، وقد امتدّ نشاط مبدعي هذه المدرسة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، ولعل «كتاب الترياق» الموجود في المكتبة الوطنية في باريس من أقدم الكتب في هذه المدرسة؛ إذ يعود تاريخ إنجازه إلى عام 1199م لحساب شخص يدعى محمود، لا يذكر مكان نسخه ويُرجح أن يكون شمالي العراق (الموصل). ومن أبرز أعلام هذه المدرسة:
ـ عبد الله بن الفضل، الذي صور كتاب «خواص العقاقير الطبية» سنة 619هـ/1222م، المحفوظ في متحف «فرير» بواشنطن.
ـ محمد بن أحمد بن ناصر الدين، الذي صور كتاب «الحيل الميكانيكية» سنة 755هـ/1354م، المحفوظ في مكتبة «المتروبوليتان» في نيويورك.
من رسومات الواسطي لمقامات الحريري
ـ يحيى بن محمود الواسطي، الذي صور كتاب «مقامات الحريري» في أكثر من نسخة، أشهرها نسخة «شيفر» المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس المؤرخة في بغداد سنة 634هـ/1237م، ونسخة محفوظة في أكاديمية العلوم في بطرسبورغ Petersburg ومؤرخة في بغداد سنة 1235م.
أثارت مقامات الحريري اهتمام الناس في ذلك العصر لما امتازت به من تصوير دقيق للحياة الاجتماعية، بما فيها من مفارقات ونوادر وطرائف، ووجد فيها الفنانون مادة موحية للتعبير عن قضايا عصرهم، فراحوا يتسابقون إلى نسخها وتصويرها، وقد عثر على عشرة مخطوطات مزدانة برسوم متنوعة، متفاوتة في قيمتها الفنية، بيد أن النسخة التي صورها الواسطي كانت أكثر إتقاناً وإبداعاً لما امتازت به من براعة في التصوير ومهارة في الأداء، ودقة في الملامح ذات السمات العربية.
وتحتفظ المكتبة الوطنية في باريس بأهم مخطوط لمقامات الحريري الذي صوره الواسطي، ويطلق عليها اسم (حريري ـ شيفر) نسبة إلى مالكها الأصلي الذي أهداها إلى المكتبة الوطنية في باريس، ووضعت تحت رقم (5847) عربي، وهي تضم 94 صورة ملونة في 99 صفحة قياس 73سم× 28سم.
وهناك نسخة من مقامات الحريري تُدعى «نسخة القديس فاست» محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس (مخطوط عربي رقم 3929) يعود إلى أوائل القرن الثالث عشر، صوره ثلاثة مزوقين عرب، لكن رسومه كلها متماثلة في الأسلوب الذي يولي الزخارف عناية بالغة، ويُحتمل أن يكونوا جميعهم يعملون في منطقة الموصل. معظم شخوص المخطوط ذوي هالات من الطراز البيزنطي، على الرغم من ابتعاد الأسلوب عن هذا الفن، إذ تبدو الأشكال متطاولة ورشيقة، والأزياء ذات طابع تقليدي، والخلفية ذهبية، والعمائم ذات ملامح عربية.
المدرسة المملوكية (1250ـ 1390م)
حين عصفت جحافل المغول ببلاد الرافدين أُهدرت آلاف الكتب المصورة حرقاً وغرقاً، لكن غربي سورية نجا من هـذا الدمـار بعد معـركة عين جالوت عام 659هـ/1260م، ما أدى إلى انتقال المدرسة الرافدية وازدهارها في سورية ومن ثم في مصر، إذ رسمت رسومٌ مصغرة ذات جمال بالغ تحت رعاية السلاطين المماليك وذلك حتى نهاية القرن الرابع عشر.
منمنمة من كتاب يصف النباتات
وتضم المدرسة المملوكية نتاج المزوّقين العرب في سورية ومصر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، ولعل من أبرز أعلامها:
ـ شهاب الدين غازي بن عبد الرحمن الدمشقي، الذي صور «مقامات الحريري» المؤرخة في 1310م، والمحفوظة بالمتحف البريطاني.
ـ أحمد بن يوسف بن هلال الحلبي، المتوفى عام 1337م الذي أُولع برسم الأوضاع المستحسنة في الأوراق التذهيبية، كما برع في النقش والتزميك (تزيين أغلفة الكتب بوسائط حرارية).
ـ محمد بن قيصر السكندري، الذي صور مخطوط «دعوة الأطباء» عام 1273م، المحفوظ بمكتبة أمبروزيانا La bibliothèque Ambrosienne بميلانو.
ـ أبو الفضل بن أبي إسحاق، الذي صور كتاب «مقامات الحريري» سنة 1334م، المحفوظ في المكتبة الأهلية بڤيينا.
وتعد مقامات الحريري المصورة في مصر عام 1334م؛ المحفوظة في المكتبة الوطنية في ڤيينا من أفضل المخطوطات المصورة في المدرسة المملوكية، فهي تمتاز بدقة رسومها وجمال زخرفتها ووضوح ألوانها إضافة إلى الألوان المذهّبة، وتجمع بين التأثيرات الساسانية المتجسدة في الزخرفة وبين التأثيرات البيزنطية المتمثلة في تكوين الشخوص وزخرفة ملابسها، وهي مع ذلك لا تداني مقامات الحريري التي صورها الواسطي في بغداد لما فيها من روعة التشكيل وحيوية التكوين، وعبقرية التجسيد الصادق للأوضاع والأشكال التي تمتاز بملامحها العربية الأصيلة.
المنمنمات في البلدان الإسلامية
انبثق عن فنـون المنمنمات العـربية عدد من المدارس الفنية في الأمصار والبلدان الإسلامية (إيران ـ تركيا ـ الهند)، أفاد مصوروها من أساليب التصوير العربي للمنمنمات، وأضافوا إليها بعض خصائصهم المحلية حتى غدا فن المنمنمات في صورة متطورة ومتألقة، أضافت إرثاً فنياً متميزاً لفنون التصوير في العالم.
كانت بلاد فارس في طليعة الأقطار التي تأثرت بفن المنمنمات العربية حين خضعت بلادهم لحكم المغول والتيموريين والصفويين، فنشأ من ذلك مدارس عدة في فن المنمنمات من أبرزها:
المدرسة المغولية
لوحة لكمال الدين بهزاد
نشأت المدرسة المغولية في تصوير المنمنمات في أواخر القرن الثالث عشر في شمالي إيران، واتبعت في بداياتها تقاليد المدرسة الرافدية، ثم ظهرت فيها التأثيرات الصينية التي أتى بها الفنانون الصينيون الذين أحضرهم المغول معهم. وقد مرت هذه المدرسة بمرحلة تمهيدية اختلطت فيها الأسـاليب القديمة بالتأثيرات الصينية المستوردة، ومن أبرز أعمالها مخطوطة «منافع الحيوان» لابن بختيشوع التي كُتبت وصُورت في مدينة «مراغة» القريبة من تبريز بين عامي 1294ـ 1299م، وكانت مدن: مراغة ـ بغداد ـ تبريز ـ شيراز من أبرز مراكز المدرسة المغولية.
ولعل من أهم ما صُوّر في هذه المدرسة: المعارك الحربية، ومشاهد من الحياة العائلية، ومجالس الشراب، ومناظر الصيد، والرسوم التوضيحية للكتب الأدبية والتاريخية والعلمية.
المدرسة التيمورية
ظهرت هذه المدرسة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر حين خضعت بلاد فارس لحكم تيمورلنك وخلفائه، وتألقت في سمرقند وشيراز وهراة، وكان من أبرز أعلامها: كمال الدين بهزاد وميراك وقاسم علي وعبد الرزاق وشيخ زادة.
ومن أهم المخطوطات التي أنجزتها هذه المدرسة مخطوطة عن الفلك تصور البروج والنجوم، ومخطوطة قصائد «خواجو كرماني» التي تعرض غرام الأمير الفارسي «هماي» بـ«همايون» ابنة امبراطور الصين، وعدد من المخطوطات لشاهنامة الفردوسي.
ويعد المصور غياث الدين خليل من أبرز مصوري هذه المدرسة، ومن أعماله مخطوط «معراج نامة» الذي يصور فيه عروج الرسولr إلى السماء.
أما المصور كمال الدين بهزاد فهو من أبرع مصوري المنمنمات قاطبة، وهو من مواليد هراة عام 1450م، وقد درس النقش والتصوير على يد سيد أحمد التبريزي وعلى ميراك من هراة، ولقي حظوة لدى عدد من السلاطين التيموريين والصفويين لما اتصفت به أعماله التصويرية من براعة وإعجاز، ويعد بهزاد في طليعة الفنانين الذين وقّعوا بإمضاءاتهم أعمالهم الفنية، ومن أشهر تلاميذه قاسم علي الذي اشتُهر برسم الوجوه، وتحتفظ دار الكتب بالقاهرة بمخطوط من كتاب بستان سعدي مؤرخ بعام 1488م، ويتضمن خمس صور من إنجاز بهزاد.
المدرسة الصفوية
منمنمة فارسية
ظهرت هذه المدرسة في القرن السادس عشر حين خضعت تبريز لحكم الصفويين، وكان بهزاد وتلاميذه في طليعة أعلامها، إضافة إلى سلطان محمد وشيخ زادة وأقامرك ومظفر علي ومير سيد علي ومحمدي ورضا عباس ومحمد يوسف وحيدر نقاش ومحمد تبريزي ومعين مظفر.
ومن أهم موضوعات المدرسة الصفوية: حياة البلاط والقصور والحدائق والبساتين، وتمتاز رسوم الأشخاص بالرقة والقدود الفارهة والملابس الفاخرة، والعمامات المزدانة بالألوان، ولعل «المنظومات الخمس» المحفوظة في المتحف البريطاني من أجمل المخطوطات، وهي مزينة بأربع عشرة صورة كبيرة عليها توقيعات: سيد علي وميراك وسلطان محمد وميرزا علي ومظهر علي.
المدرسة الصفوية الثانية
ظهرت هذه المدرسة في القرن السابع عشر حين نقل الصفويون عاصمتهم إلى أصفهان، ويعد رضا عباسي من أعلامها، إضافة إلى زين العابدين ومحمد زمان ومحمد يوسف وحيدر نقاش ومحمد تبريزي ومعين مظفر.
شرع فنانو هذه المدرسة يتأثرون بالأساليب الفنية الغربية، ويتخلون عن كثير من تقاليدهم الفنية، ولاسيما حين قلّ الاهتمام برسم المخطوطات المنمنمة وظهر الاهتمام بالصور الكبيرة التي تُعلق على الجدران، وانتشار رسم الصور الشخصية.
كما قلّ الاهتمام بتصوير الموضوعات، وباتت الصورة لا تحتوي على أكثر من شخص أو اثنين في أوضاع متكلفة، وأشكال تكتنفها ملامح الأنوثة، يصعب معها التمييز بين أشكال الذكور والإناث، وكادت تختفي الألوان المضيئة، وزادت العناية بالخطوط الانسيابية.
ومع إطلالة القرن الثامن عشر أخذت تأثيرات الفن الأوربي تظهر جلياً في التصوير الفارسي، مما أفقده شخصيته وخصائصه المتميزة.
المدرسة التركية
من مخطوطة عثمانية تتحدث عن طب الأسنان
ظهرت في القرن السادس عشر في اصطنبول حين خضعت لحكم العثمانيين، وقد قامت على أكتاف الفنانين الفرس الذين استقدمهم السلاطين العثمانيون، ومنهم المصور الإيراني شاه قولي الذي عمل في بلاط السلطان سليمان القانوني 1520- 1566م، ومنهم أيضاً ولي جان التبريزي الذي عمل في البلاط العثماني عام 1587م، وقد استعان بعض السلاطين بفنانين أوربيين، أمثال المصور الإيطالي جنتلي بلليني Gentile Bellini الذي رسم صورةً للسلطان محمد الثاني، وهي موجودة في المتحف الوطني بلندن.
ومن أبرز مصوري المدرسة التركية حسام زادة صنع الله وعثمان وحيدر وشبل زادة ولوفني وصياح كالم، وتمتاز رسومهم بموضوعاتها التي تصور المعارك السلطانية والحفلات والألعاب، وهي تبدي اهتماماً بألوان الذهب والفضة في تكوينات حافلة بعناصر بشرية وخيول وعمامات وملابس وعمائر تركية.
المدرسة الهندية
ظهرت في القرن السادس عشر في مدينتي (كابول ـ دلهي) حين استولى «بابر» حفيد تيمورلنك على مدينة دلهي، وينقسم التصوير الهندي إلى مدرستين: المدرسة الهندية المغولية، ومدرسة «راجبوت»، وقد تأثرت المدرسة الأولى بالمنمنمات الإيرانية وأسلوب بهزاد، ولاسيما حين أسس الامبراطور «أكبر» أكاديمية للفنون ضمت نحو سبعين فناناً هندياً تحت إشراف فنانين إيرانيين، ومن أبرز أعلامها الهنود: بازوان ودارم داس وفروخ بج وناد سنغ ولال، وكانت الصورة الواحدة يعمل فيها أكثر من فنان، وهي تظهر العناية بالحيز المكاني وإظهار البعد الثالث واستخدام الألوان الهادئة.
ومنذ مطلع القرن السابع عشر زاد الاهتمام بتصوير اللوحات الكبيرة والصور الشخصية التي تظهر عناية في رسم التفاصيل وزخرفة الملابس والمناظر الطبيعية، والحيوانات والطيور، ومن أعلام هذا النوع منصور ومراد وعنايت وزما نوهار وغلام علي وماد هوتان أزاد.
أما مدرسة «راجبوت» فقد اعتمدت تقاليد التصوير الهندي القديم ولاسيما اللوحات الجدارية في «أجانتا» و«باغ»، واستمدت موضوعاتها من الأدب الشعبي والملاحم الهندية ونوادر الآلهة والقديسين.
منمنمة من تركمنستان يظهر فيها التأثير الصيني
سمات فن المنمنمات العربية
يمكن إيجاز أبرز سمات فن تصوير المنمنمات العربية بالنقاط الآتية:
- تستمد هذه المنمنمات أغلب موضوعاتها من المادة العلمية أو التاريخية أو الأدبية الواردة في المخطوطات التي تصورها، وهي تعكس الأفكار وأنماط الحياة الاجتماعية وأشكال الشخوص والكائنات والأزياء والمباني.
- وردت معظم التصاوير بصيغة واقعية مبسطة من دون تكلف في الرسم أو جنوح في الخيال، أو إمعان في التزويق والزخرفة، ما عدا تلك الرسوم التي استمدت مادتها من بعض القصص الدينية، فقد أسهم الخيال الديني في تأليف عناصرها على نحو يجمع بين الواقعي والمتخيّل.
- تحفل هذه التصاوير بأشكال إنسانية ذات ملامح شرقية، فالرجال مقوسو الأنوف وذوو لحى سوداء، وتظهر عليهم ملامح النشاط، ولا تبدو عليهم الرشاقة والدعة وغيرها من الملامح الموجودة في الأشكال الإنسانية التي تظهر في المنمنمات الفارسية أو المغولية.
- يلاحظ تشابه كبير في أسلوب التصوير السائد لدى مسيحيي الكنيسة الشرقية، إذ تحيط أكاليل النور، وهالات التقديس برؤوس بعض الأشخاص، وتبرز أشكال الأنوف بخطوط بارزة من اللون، وتعالج الملابس المزركشة والمزينة بالزهور والزخارف النباتية، وأشكال الملائكة ذات الأجنحة المدببة، وفروع الأشجار، والأشكال النباتية، بأسلوب نمطي يشبه أسلوب التصوير المسيحي الشرقي الذي يظهر التأثر الواضح بالفنين الساساني والبيزنطي، مما دعا بعضهم إلى الاعتقاد بأن هذه الصور الإسلامية من صنع المسيحيين أنفسهم.
- اعتمد المصورون العرب على التكوين الإيقاعي الذي يستند إلى رهافة الفنان وخبرته في توزيع عناصر العمل الفني، بما في ذلك من خطوط وألوان وسطوح، بحيث تتكون الأشكال من خطوط داكنة، تكسوها الألوان والزخارف النباتية والكتابية من دون تداخل منسجم، أو تدريج في نغمات اللون، أو تباين في إيقاعات الظل والنور، كما هي الحال في التصوير التقليدي الغربي.
- الأشكال مسطحة، ولا تخضع للتجسيم، وتتوزع في أرجاء اللوحة وفق أهميتها، وغالباً ما تكون الوجوه البشرية شبه أمامية، في حين تبدو رؤوس الدواب والماشية في أوضاع جانبية، وهناك بعض المحاولات لإعطاء أشكال الأبنية بعداً ثالثاً من دون إدراك لمفاهيم المنظور في التصوير الغربي.
- تتنوع الألوان بكل درجاتها في هذه التصاوير، وتتوزع وفق المعايير الجمالية المحلية، حيث يبدو الاهتمام واضحاً بالألوان الذهبية والزرقاء على الأرضية البيضاء لما تتضمنه من دلالات مقدسة، في حين تبدو الخطوط أكثر عفوية وعاطفية، وأقل رهافة من تلك الموجودة في التصوير الفارسي أو المغولي.
- يستعين الفنان بكل العناصر والمفردات الفنية من أجل تجسيد أفكاره ووضعها ضمن إطارها الملائم، ويعتمد في ذلك على الأشكال الآدمية والحيوانية والنباتية، والمعمارية إضافة إلى الزخرفة الهندسية أو النباتية، وأنماط الكتابة العربية.
- يرى بعض الباحثين أن التصوير العربي لجأ إلى تقديم فراغ شاقولي بدل الفراغ الأفقي الذي يعتمده الغربيون، حتى يتمكن الفنان من تقديم شخوصه في سلسلة تبدأ من الأسفل نحو الأعلى، وقد أطلقوا على ذلك (المنظور الحلزوني الشاقولي) أو البعد اللولبي مستأنسين ببعض أعمال الواسطي.
كان القرن الثالث عشر بحق عصر النهضة بالنسبة إلى الفن العربي، وكان تصوير المنمنمات يتطور بظهور أسماء لامعة وخالدة، حققت غزارة في الإنتاج عبر الرسوم التوضيحية للكتب الأدبية والعلمية، ولاشك في أن هذا الفن شهد تطوراً مماثلاً في المغرب العربي والأندلس، على الرغم من ندرة ما وصل منه نتيجة الحروب وآثارها المدمرة التي ذهبت بآلاف الكتب والمخطوطات العربية التي ازدانت بفن المنمنمات، وليست منمنمات الفنان الجزائري محمد راسم في القرن الماضي إلا امتداداً لمدرسة التصوير العربي في المغرب.
طاهر البني
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث