من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها الدولة حاليا في سياق الاصلاح هو التصور التبسيطي بأن الخلاف السياسي الحالي هو ما بين برنامج الدولة الاصلاحي (المتردد في طبيعته) وطموحات الإخوان المسلمين. هذه الرؤية التبسيطية والمجتزأة تفتقر للعمق الاستراتيجي لأن الرهان الحالي ليس بين الدولة والإخوان المسلمين بل بين الدولة والرأي العام الأردني بمجمله.
من السهل والممكن تأجيل أو حتى انهاء المواجهة بين الدولة والإخوان في حال قررت الدولة أن تمنح الإخوان مساحة أكبر من الطموحات السياسية وسوف يقبل الإخوان بذلك لأنهم في النهاية، شأنهم شأن اي حزب سياسي يسعون الى السلطة كما حصل في تونس ومصر والمغرب وفلسطين وغيرها.
التنسيق والتوافق مع الإخوان ممكنان من خلال صفقة مقبولة للطرفين يلتزم بها قادة الإخوان وكوادرهم، ولكن التحدي الحقيقي هو بين الدولة والرأي العام الذي بات لا يثق بوعود الاصلاح وخاصة الانتخابات النيابية والتي قد تشهد نسبة عالية من اللامبالاة العامة وهي أهم من المقاطعة السياسية.
في أثناء تصميم قانون الانتخاب المناسب انحازت الدولة لقاعدتها الاجتماعية- السياسية المتمثلة في الناخبين في المحافظات وقررت الابقاء على كافة المقاعد النيابية التي تمثل التقسيم الاداري السياسي الحالي وعددها 120 مقعدا. كان توجه الدولة هو عدم اغضاب اي من الدوائر الانتخابية الـ”120” خوفا من “ثورات” اجتماعية لحماية هذه المكتسبات على غرار ما حدث في تقسيم البلديات. من شأن اي تحرك شعبي لحماية المقاعد الانتخابية في المحافظات أن يشكل خطورة بالغة على استقرار الدولة وبالتالي جاء القرار في الحفاظ على المقاعد المئة وعشرين والتي تحمل فرصة كبيرة جدا لوجود نسبة عالية من الفائزين ممن يستجيبون تماما لسياسات الحكومات والدولة في مختلف المحاور السياسية والاقتصادية وضمن نفس المعادلة التي خبرتها الدولة الأردنية منذ نشأتها.
اضافة 30 مقعدا نيابيا الى القائمة السحرية من 120 ساهمت في تحريك بسيط للعمل السياسي حيث سيتم تخصيص 27 مقعدا للقائمة الوطنية ولكن ايضا بطريقة غير متقدمة وتشكل ترتيبا للأفراد لا للتجمعات السياسية والأحزاب، اضافة الى 3 مقاعد جديدة للمرأة يتم الانتخاب فيها بالطريقة التقليدية في الصوت الواحد. مثل هذا التغير الطفيف لن يمنح حوافز كافية للطبقة الوسطى وسكان المدن بالذات للمشاركة في الانتخابات بنسبة تتجاوز 30-40% التي شهدتها المدن في انتخابات 2010 التي أفرزت مجلس النواب الحالي، الأسوأ في تاريخ العمل النيابي الأردني بكل جدارة.
انحياز الدولة لقواعدها الاجتماعية- السياسية في المقاعد الـ”120”، مفهوم، واستمرارها في لعبة القط والفار مع الإخوان المسلمين مفهوم حتى تصل الأمور الى مستوى صفقة مقبولة بين الطرفين، وحتى أن تجاهل الدولة للأحزاب اليسارية والقومية والوسطية الضعيفة يعتبر منطقيا. لكن عدم تقديم الدولة لأية حوافز وضمانات للقاعدة الأكبر من الرأي العام وخاصة الطبقات الوسطى وسكان المدن والطموحين بديمقراطية تمثيلية أقرب الى المساواة هو عامل رئيسي في عزوف نسبة كبيرة من الناخبين عن المشاركة ضمن هذا القانون وفي هذا السياق مما سينجم عنه مجلس نواب جديد لا يختلف الا بنسبة ضئيلة عن المجلس الحالي مما لن يحل الأزمة السياسية بل يفاقمها وخاصة في ما يتعلق بالثقة بين الدولة والرأي العام.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور