مع اقتراب طرح الحكومة للقانون الجديد والإشكالي حول المطبوعات والنشر سيبدأ من جديد السجال الساخن في الوسط الإعلامي الأردني حول معادلة وحدود الحرية والمسؤولية.
كالعادة يبدأ هذا الحوار من خلال مجموعة ملاحظات حول ممارسات غير مقبولة من قبل بعض المنابر الإعلامية الإلكترونية ثم تتسارع وتيرة الحوار لتشمل الطيف الأوسع من الأدوات الإعلامية الأردنية وتنتهي بحالة الاستقطاب المتشنج التي تسود معظم نقاشاتنا السياسية والاقتصادية والثقافية.
الخطأ الأول وربما الأكبر في أي نقاش عام يبدأ عند التعميم. لدينا نزعة غريبة للتعميم في أغلبية نقاشتنا ما يجعل الفواصل والحدود غير واضحة بين ما هو إيجابي وسلبي، ويجعل الاوراق تختلط والاتهامات تتدفق من كافة الأطراف تجاه بعضها البعض بدون وجود مسار واضح المعالم ومؤشرات ومقاييس يمكن الرجوع إليها، وفي النهاية ينتهي النقاش بدون فائدة للرأي العام الأردني وبمزيد من الشحن ما بين زملاء المهنة الواحدة.
أريد التركيز في هذا المقال على ثلاث مسائل أساسية. الطرح الأول هو أن وسائل الإعلام الإلكترونية هي في مجملها إضافة نوعية مهمة إلى الإعلام الأردني وهي تمثل إطلالة أولى على إعلام المستقبل. ولكن نسبة مهمة من وسائل الإعلام الإلكترونية في الأردن قامت بالفعل بتجاوزات غير مقبولة لا أخلاقيا ولا اجتماعيا ولا مهنيا بحق شخصيات عامة سواء من ناحية النقد والتشهير أو الابتزاز، أو ما هو أخطر من ذلك الترويج والدعم لشخصيات أخرى تريد العودة إلى سدة صنع القرار عن طريق ممارسة ضغوط إعلامية.
عندما تصبح وسائل الإعلام أداة لتوظيف الطموحات الشخصية وتصفية الحسابات الشخصية تفقد تماما كل مهنيتها ومصداقيتها.
القضاء هو الوسيلة الأفضل لكافة المتضررين لإيقاف هذه الممارسات ومن المهم أن تصل القضايا إلى نهاياتها في المحاكم ولا يتم سحبها نتيجة مجاملات أو ضغوط سياسية واجتماعية فالمسيء يجب أن يدفع الثمن حتى يعرف أنه لا مهرب من القانون.
المسألة الثانية هي أن المواقع الإلكترونية يجب أن يتم تصنيفها تجاريا ومؤسسيا ويكون لها رقم ضريبي وحساب بنكي وتدقيق مالي حتى تمارس أي نوع من العمل التجاري.
ربما من حق أي شخص أن ينشئ مدونة خاصة بدون أهداف تجارية ولكن أي موقع يستقبل الإعلانات والمساعدات المالية يجب أن يكون له رقم ضريبي لأن أية إعلانات ومساعدات تصل إلى الحسابات الشخصية للقائمين على هذه المواقع هي تجاوز للقانون.
من حق أي موقع أن ينجح في الحصول على الإعلانات ولكن ضمن القوانين السائدة والتي تعني تسديد الضرائب وتدقيق الحسابات ومنع كافة “الشيكات الشخصية”.
المسألة الثالثة تتعلق بالإفتراض الخاطئ الذي يعتبر أن الإساءات التي تتم في بعض وسائل الإعلام الإلكتروني هي من قبل “دخلاء على المهنة ليسوا أعضاء في نقابة الصحافيين”.
غير صحيح على الإطلاق، فهناك تجاوزات في غاية الخطورة تتم من قبل أعضاء في النقابة أيضا، كما أن كثيرا من ممارسي الإعلام من غير أعضاء النقابة يتمتعون بمهنية عالية ترفض التجاوزات.
ليس من المنطقي أن يكون معيار التصنيف بين الصحافي الجيد والصحافي المسيء هو “عضوية النقابة” بل مصداقية الأداء، والسبيل الوحيد لتجاوز هذه الحالة هو قيام النقابة بتشجيع انضمام الصحافيين المحترفين وأصحاب المصداقية والخبرة من خارج النقابة إلى عضوية النقابة بدلا من تعميم مساوئ تجاوزات بعض الزملاء على جميع الصحافيين الذين لا تسهم قوانين النقابة في استيعابهم.
لقد حدثت تغيرات جيدة في السنوات الأخيرة في النقابة، فقد تم تجاوز التعريف السابق للصحافي بأنه “حامل شهادة في الإعلام” بعد أن ثبت أن هذه المهنة هي ممارسة احترافية ومهارية أكثر من كونها أكاديمية، وهذا ما سمح بانضمام العشرات من الإعلاميين من غير خريجي كليات الصحافة والإعلام ممن لهم خبرات وقدرات عالية في المجال الإعلامي.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور