بشكل متواز مع الآثار الإيجابية للربيع العربي والحراك الشعبي والانفتاح الديمقراطي شهد الأردن في الاشهر الماضية عدة مظاهر سلبية مترافقة مع تراجع هيبة الدولة والتحول نحو الأمن الناعم في التعامل مع النشاط السياسي. هذه المظاهر السلبية تمثلت في تزايد حدة وجرأة وتأثير نشاط الجماعات والأفراد الخارجين على القانون في تحديهم للأمن وترويعهم للمواطنين وممارستهم للجرائم والجنح المختلفة. أسوأ ما في الأمر أن يتم أيضا تقديم الحماية الاجتماعية لهؤلاء الخارجين عن القانون من قبل ذويهم وعائلاتهم إلى درجة تحميهم من الاعتقال والملاحقات الأمنية وافتعال مواجهات مع الأمن والدرك تحت شعار “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما”.
شكاوى المواطنين ورجال الاعمال والمستثمرين والتجار والطلاب وكافة قطاعات المجتمع التي تأثرت بالانفلات الأمني وصلت إلى مستويات عالية بل وتسببت في قيام نسبة كبيرة من المواطنين بشراء السلاح اعتقادا منهم بعدم قدرة الدولة على حمياتهم، كما قام البعض ايضا بتشكيل “جماعات مسلحة” لحماية المناطق والاستثمارات المختلفة التي تتعرض للهجوم من قبل الخارجين على القانون. لا يمكن الاستمرار في هذا السياق وهنالك جهة واحدة فقط عليها مسؤولية ولديها حق تطبيق القانون وهي الدولة ممثلة بكافة أجهزتها الأمنية. الرفق والتساهل مع الحراك السياسي مطلوب ومشكور ولكن هذا لا يمكن أن ينطبق على الخروج على القانون والمجرمين حيث يجب أن يتم تنظيف الشوارع منهم فورا.
الحملات الأمنية الأخيرة على مهربي السلاح وتجار المخدرات والملاحقات للمتورطين بالهجوم على المصالح التجارية والخاصة وكذلك المرافق العامة وملاحقة البسطات المخالفة كلها إجراءات يجب تعزيزها ودعمها من قبل المواطنين والقوى السياسية لأنها تمثل الأولوية الرئيسة للمواطنين في العيش بأمان، ولا يمكن نجاح اي دولة في تحقيق تنمية سياسية واقتصادية من دون أمن وحماية للمواطن والزائر والتاجر والطالب وكل قطاعات المجتمع.
من المخجل حديث البعض من “النشطاء السياسيين” في الحراك الشعبي وغيره عن وجود “مؤامرة أمنية” تقضي بتخويف الأردنيين على أمنهم الشخصي تمهيدا لما يسمى “الانقضاض” على الحراك الشعبي والتعامل معه بقسوة وعنف. هذا كلام ليس فارغا من المنطق فقط بل يقدم تبريرا ودعما مجانيا للخروج على القانون بحجة الأمن الناعم. يفترض في الحراك الشعبي الذي يهدف حسب شعاراته إلى دولة مواطنة وقانون وإصلاح أن يكون في طليعة من يدعم الأجهزة الأمنية في حملاتها ضد الخارجين على القانون وليس نشر نظريات مؤامرة والتقليل من شأن ودوافع هذه الحملات.
لا يهمنا كثيرا إصلاح يأتي بحكومات منتخبة إذا كنا غير قادرين على حماية أمن عائلاتنا في الشارع والجامعة والمكتب والسوق، ولا يمكن لفوضى وانفلات أمني وتقليل من هيبة الدولة وقدرة الأجهزة الأمنية أن يكون في مصلحة أحد. المطلوب الآن امتداد وتوسعة الحملة الأمنية لتشمل كافة المتسببين في ترويع المواطنين وتهديد حياتهم وأرزاقهم ومنهم كافة مطلقي النيران في الأعراس والاحتفالات والذين يتسببون في الكثير من المآسي نتيجة الغرور وعدم المبالاة
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|