تشهد مراكز اللياقة البدنية في عمّان اقبالا كثيفا، حيث يرتاد العمّانيون من طبقات اجتماعية مختلفة هذه المراكز، المنتشرة في العاصمة بشرقيها وغربيها على حد سواء، طبعا مع الفارق في المستوى بين هذه المراكز التي تتراوح أسعارها بين الفاحش في الجانب الغربي والمنطقي في الجانب الشرقي وذلك بحسب درجة الأبهة والفخفخة في الديكور، اضافة الى نوعية الخدمات المقدمة من أجهزة وبرامج تدريب متخصصة.
كما أن مشهد ممارسي رياضة المشي من الرجال والنساء في الصباحات في شوارع عمان أضحى مألوفا جدا. ولا شك في أن هذه المشاهدات المفرحة تشير الى مدى تطور وعي الافراد بأهمية اتباع السلوكيات الصحية التي تجنبنا أمراض العصر المرتبطة بشكل وثيق بقلة الحركة والخمول والتكاسل.
وينضاف إلى ذلك كله العادات الغذائية غير الصحية في معظمها، حيث تشير الدراسات إلى إصابة الاردنيين لاسيما فئة الشباب منهم بالسمنة وذلك في السنوات الاخيرة، وهذه نتيجة غير مستغربة بسبب إقبال هؤلاء المتواتر على مطاعم الوجبات السريعة، حيث الدهن والشحم متوفر بلا حساب. ولا بد من الاعتراف هاهنا أننا في الأردن نتمتع بمزاج لاحم! إذ تحتل أنواع اللحوم سيما لحوم الخراف عالية نسبة الدهن الدرجة الاولى في المزاج الغذائي العام. وتنحصر مواصفات المنسف الفاخر والذي يبيّض الوجه في الولائم بـ: ضرورة أن يكون اللحم بلديا، والسمن بلقاويا، والجميد كركيا، والكنافة نابلسية. أما من تسول له نفسه استخدام لحم الدجاج مثلا في طبخ المنسف، فإن ذلك سوف يكون سببا جوهريا للعار والشنار، حتى إن أغنية محلية طريفة ذات لحن رشيق شاعت وعقدت حلقات الدبكة على وقعها في الاعراس، واكتسحت الأسماع بشكل واسع في سياق تأكيد الهوية الوطنية ! تؤكد كلماتها أن "المنسف على جاج ما ينفع الاردنية وبدنا منسف باللحمة البلدية"!!
للأسف فإن الأحوال إلى تبدل وربما غدا المنسف المطبوخ بالعظم حلما بعيد المنال!! وذلك، في ظل وضع اقتصادي خانق لا يمكن تجاهله لدى عموم الشعب الأردني الذي سيقبل مضطرا على ريجيم غذائي شديد التقتير.
ويغذي هذا السبيل الاضطراري أن المطبخ الأردني، وهو جزء من المطبخ الشامي المتحدر من جذور تركية، حافل بأطباق صحية شهية عالية المستوى، تعتمد في إعدادها بدرجة كبيرة على الخضراوات بأنواعها والتي يؤكد الخبراء أهميتها في السُّلَم الغذائي الأمثل.
وفيما مضى كان الطبق اللاحم موسميا على الموائد ليس بسبب وعي غذائي مبكر، بل بسبب شح الموارد وضيق ذات اليد. وحيث إن الموارد الآن في شح ليس له مثيل وذات اليد ذاتها في ضيق كذلك، ولأسباب صحية بحتة وانسجاما مع صحوة غذائية تشمل العالم بأسره، ولأسباب جمالية لها علاقة باعتبارات الرشاقة، بحسب المواصفات العالمية التي تمارس اضطهادا وتمييزا ضد ذوي الاوزان الثقيلة، فإن الأمر يستدعي إعادة النظر في بعض مفردات أنماطنا الغذائية المفرطة في الدهون والسكريات، لعلّ الشخص السمين الذي يجد نفسه في وضع مرفوض إنسانيا من المجموع، وغير مفضل مهنيا لاعتبارات الشكل اللائق الذي يعد بندا اساسيا في السيرة الذاتية يشعر بالطمأنينة والقبول بعد مضي زمن على الحمية الاضطرارية التي فرضتها الظروف الاقتصادية الآخذة في الضيق.
كما يتعين إعادة النظر في مجمل سلوكياتنا الاجتماعية المرتبطة بالشأن الغذائي والميالة الى المبالغة في العموم. ويقع العبء الاكبر في هذه المهمة الوطنية على عاتق الامهات باعتبارهن مسؤولات عن إدارة الملف الغذائي في الاسرة، وعليه نتوقع منهن الاعتناء في توجيه أمزجة أبنائنا نحو نمط حياة أقل خطورة وأكثر رشاقة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد تصنيف :بسمة النسور