عندما أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو في أوج قوته، مدعوما باصوات الناخبين الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض أن يقر قانونا لإصلاح التأمين الصحي في الولايات المتحدة تطلب منه الأمر سنة من الحوارات والمجادلات مع الكونغرس والحزب الجمهوري المنافس والمنظمات الصحية وحكومات الولايات المختلفة حتى تم في النهاية إقرار القانون عن طريق المحكمة العليا. هذا مثال للطريقة التي تصنع فيها الدول الديمقراطية سياساتها وتشريعاتها، وتحترم مبادئ الحوار مع المجتمع والتفكير في كافة البدائل ومناقشة التفاصيل بدلا من فرض قرار أو قانون فوقي بدون نقاش.

غضب الرأي العام الأردني على قرار رفع اسعار المحروقات لم يكن فقط لأنه شكل عبئا جديدا على الموازنة الأسرية والشخصية ولكن أيضا بسبب الطريقة الغريبة في إقراره (ليلة يوم جمعة وهو عطلة رسمية وبدون اجتماع لمجلس الوزراء) بل ايضا لأن أحدا لم يكلف خاطره في توضيح الأسباب. على خلفية الكثير من الشائعات والقليل من الحقائق حول الفساد ونهب المال العام وسوء الخدمات العامة لم يكن قرار رفع الأسعار إلا ليلقى استياء عاما. المشكلة أنك حين تناقش بعض المسؤولين أو “نخبة الاقتصاديين” فهم يجادلون بأن الرأي العام لا يعرف التفاصيل حول عجز الموازنة وضرورة اتخاذ القرارات الصعبة. إذا كان هذا صحيحا فواجب الحكومة هو توعية الناس والدخول في حوار معهم مستندة إلى كشف كافة المعلومات والأرقام وخاصة حول قطاع الطاقة والمشتقات النفطية وعلاقته بدعم الموازنة، وبعد ذلك يكون التفكير في بدائل منطقية وأقل ايلاما.

إذا كانت الحكومة قد أعطت تعهدات لصندوق النقد الدولي حول ماهية السياسات الاقتصادية التي سيتم اتباعها مقابل الحصول على قرض الصندوق فمن حق المواطن معرفة ذلك. ايضا من الضروري أن يعرف صندوق النقد مدى صعوبة هذه القرارات وتأثيراتها السلبية عن طريق دخوله شريكا في الحوار ولو حتى بصفة مراقب يتابع ردود الأفعال السياسية والاقتصادية والتي يمكن أن تساعد في الوصول إلى تفاهم مختلف في الأيام القادمة. ليس من البطولة والحكمة أبدا أن يعطي بعض المسؤولين تصورا لصندوق النقد أو غيره من الجهات التي يتم التفاوض معها على المنح والمساعدات أنه يمكن اتخاذ وفرض إجراءات أحادية يرضى عنها الرأي العام بدون اعتراض لأن ذلك يعتبر تضليلا للجهة التي تقدم المساعدة وسوء إدارة للمسؤولية تجاه الرأي العام والمجتمع.

من حق الشعب الأردني أن يعرف كافة التفاصيل عن دورة حياة برميل النفط وعن مصادر الطاقة. من اين تأتي، وبأي سعر يتم الشراء وبأي سعر تبيع المصفاة للمحطات وبأي سعر يشتري المستهلك وما هي الضرائب المفروضة وما هو “الدعم المفترض” للطاقة وأين يذهب وأين يتم إنفاق هذا الدعم (ربما في إبقاء سيارات الوزراء والمسؤولين في حالة التشغيل والمكيف في انتظار عودة الوزير من اجتماع)

يقول آينشتاين أنه لا يمكن حل المشاكل الجديدة باساليب التفكير القديمة نفسها. نتمنى أن تستمع حكوماتنا إلى اينشتاين فهو “قد” يكون أكثر ذكاء من المستشارين الذين ينصحون برفع الأسعار على غفلة، لأن مستوى الحراك الشعبي قد انخفض


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور