تغدو لمفردات ذات وقع سلبي في العادة، مثل إحباط وإتلاف وإيقاف وإفشال، معان مغايرة بالغة الإشراق والجمال، حين تطالعنا وسائل الإعلام بين الحين والآخر بأنباء حول إفشال عمليات تهريب مخدرات واسعة النطاق، وبكميات صادمة تبلغ في مقدارها أطنانا، وفي كلفتها الملايين.
قبل حوالي شهر أحبطت عملية تهريب لمختلف أنواع المخدرات تزيد قيمتها على 16 مليون دولار، كانت وجهتها دول مجاورة، وبالأمس فقط أفاد مصدر أمني بإحباط عملية تهريب ضخمة من المخدرات تقدر قيمتها بأكثر من 14 مليون دولار، تشمل أكثر من ثلاثة ملايين وخمسمائة حبة كبتاجون مخدرة.
وأفاد المصدر ذاته أن 85% من الكمية المضبوطة كانت معدة للتهريب إلى دولة مجاورة؛ والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إذا كانت تلك المواد معده للتهريب إلى دولة مجاورة فمن أين أتت ابتداء، وهل نصنف في الأردن، بحسب تقسيمات هيئة الرقابة الدولية لدول العالم من حيث التعاطي بالمخدرات، كدولة إنتاج أم دولة استهلاك أم دولة عبور، فالمتابع لحيثيات خبر الأمس سوف يصل إلى حقيقة انطباق التقسيمات الثلاثة على الأردن، إنتاجا واستهلاكا وعبورا في الوقت ذاته!!
وفي جميع الأحوال تظل الأنباء مطمئنة وباعثة على الإحساس بالأمن والأمان حول نجاحات دائرة مكافحة المخدرات المتتالية بإحباط عمليات تهريب كبرى تتخذ من الأردن معبرا لها، ومما لا شك فيه أن دائرة مكافحة المخدرات في الأردن تعتبر نموذجا رائدا في هذا الحقل الشائك القائم على المخاطرة بالحياة والتضحية بالروح حماية لأمن الوطن والمواطن.
حدث أن زرت الدائرة في حي الياسمينة أثناء عملي في سلك المحاماة، وشاهدت بأم العين المستوى العلمي والحرفي المتقدم والكفاءات البشرية العالية التي تقدم خدماتها النبيلة بسوية عالية على مدار الساعة، والحق أن الدائرة تقوم بمجهود اسشنائي مشهود بتميزه وانضباطه على مستوى الوطن العربي في كيفية تعقب المتورطين في تجارة الموت.
بيد أن الجهات الرسمية، ومهما بلغت درجة جاهزيتها لن تتمكن من التصدي لظاهرة خطيرة كهذه بشكل منفرد، ولعل العبء الأكبر يقع على عاتق الأسرة، حيث يتلقى الطفل من خلال محيط العائلة دروس الحياة الأولى، ويتشكل وعيه وقدرته على التمييز واتخاذ القرارات الصائبة، ويكتسب من خلال فضاء الأسرة التماسك المطلوب كي يتحلى بالحصانة الكافية والكفيلة بحمايته من الوقوع في هذا الشرك.
ومن البديهي أن يحاور الآباء أبناءهم بأسلوب بعيد عن الوصاية والتلقين يحترم عقولهم، ويقنعها بمدى خطورة مجرد التفكير في طرق هذا الباب حتى من باب الفضول أو التقليد أو الوهم بأنه قد يؤدي إلى خلاص ما، ولا بد أن تقوم المؤسسات التربوية بدور مساند في تعظيم الوعي بمخاطر المخدرات.
وعلينا قبل كل شيء تسمية الأشياء بأسمائها دون مواربة وان نكف عن التوهم أن (الدنيا لسة بخير) لأنها ليست كذلك في واقع الأمر! ولا بد من الاعتراف بالوضع الحقيقي لتفشي تلك الظاهرة الخطيرة، التي تقتات على أعمار شبابنا فتستنزفها جرعة إثر جرعة!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   تصنيف :بسمة النسور