مما لا شك فيه أن الكرم من الصفات الحميدة الاستثنائية، التي تضفي على الشخص المتميز بها الكثير من المهابة والقبول الاجتماعي، وتجعله قريبا ومحبوبا من الآخرين.
وإذا ما توفرت تلك الصفة النبيلة في شخص ما، فإن جملة صفات إيجابية سوف تتفرع عنها بالضرورة، لأن الكريم محب عطوف، يتمتع بحس العدالة، غير متملك، ذكي وشهم وشجاع، ما يجعلنا بصدد نموذج إنساني بالغ الإشراق والرقي.
ولعل قيمة الكرم واحدة من أبرز صفات الأردني، الذي تربى منذ الصغر على مفاهيم وقواعد أخلاقية وسلوكية تعلي من شأن هذه الصفة، وتعتبر إكرام الضيف والاحتفاء به من معاييرالرجولة والأصل النبيل، وتحفل الحكايات الشعبية بالكثير من المواقف التي تحتفي بمبدأ قراية الضيف الذي له صدر البيت دائما.
في ثقافتنا أصول وقواعد وطقوس تنظم آداب الضيافة، وتتفوق في لباقتها على أحدث نظريات علم الإتيكيت، ومن المعروف في التقاليد البدوية كذلك أن الضيف سوف يحظى بكل الحماية والرعاية الممكن توفرها، وطالما داس بساط المضيف فإن طلباته مستجابة وذنوبه مغفورة لا محالة، ولا يختلف الحال لدى القروي الذي كان يخصص أفضل موقع في حوش الدار لاستقبال الضيوف، وكان مألوفا جدا أن يمتد أمد الزيارة، خصوصا بين الأقارب ليصبح أياما وليالي يتمتع أثناءها الضيوف بخدمات تتجاوز فنادق النجوم الخمس، من حيث الحفاوة وحرارة الاستقبال. 
ولعل الكثير منا ما يزال يحتفظ بأجمل ذكريات طفولته من عبق تلك الأزمان، حين كانت العائلات تتبادل الزيارات الممتدة الحافلة، يحلون ضيوفا على بيوت الأقارب في أجواء خالية من التكلف، شديدة الألفة والحميمية، لم يكن للتلفزيون أي حضور فيها، بل الذي كان حاضرا وبقوة التواصل الإنساني الحر والطيب، حيث السهرات والتعاليل وحكايا الجن تسردها الجدات وضحكات الكناين المكتومة إثر الاستماع إلى طرائف يسردها الرجال، وعيون الصغار مفتوحة على اتساعها تقاوم النوم وتصر على السهر والمشاركة في ذلك الصخب الجميل.
وبعد أن نردد بكل الحنين الممكن عبارة "سقا الله ايام زمان ولياليها"، نتطلع بحسرة إلى لحظتنا الراهنة كي نعاين كم اختلف الحال بنا، وتقلصت طقوس التواصل بين الأفراد إلى حدها الأدنى واقتصرت على المناسبات، وانكفأ الناس على ذواتهم انسجاما مع طبيعة التطور الذي فرض شروطه على واقعنا الاجتماعي فتحققت عزلة الأفراد وتباعدهم،
ورغم تبدل الحال وترديه ما يزال الأردني حاملا بالفطرة لجينات الكرم متجاهلا صيغة حراكنا الاجتماعي المتدني، مصرا على تخصيص أجمل نقطة في البيت للضيوف في غرفة تحمل اسمهم متخفية المظهر خالية من نبض الحياة.
وتحتل تلك المنطقة وتوابعها من أدوات الضيافة المؤجلة، في العادة، حيزا كبيرا قد يبلغ نصف مساحة الشقة الكلية، وتحشر العائلة أحيانا في مساحة ضيقة، وتعطل إمكانات الراحة للعائلة في سبيل الحفاظ على أطقم الجلوس الفاخرة صماء جاثمة في صمتها على أهبة الاستعداد بانتظار ضيوف محتملين، كفوا منذ زمن طويل عن ارتكاب فعل الزيارة الإنساني المرتبط بدوافع الود البسيط. 
 

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   بسمة النسور