لا يمكننا بأي حال الجزم بأننا نعرف شخصا ما حق المعرفة، بمعنى الوقوف على حقيقته، ميوله وطباعه، مزاجه وأخلاقه، نقاط قوته وضعفه، ما لم نخضع هذه المعرفة إلى التجربة والاختبار.
ومع التسليم بالبعد الفلسفي لمقولة ابن عربي "القرب حجاب"، فإن القرب بمعناه المادي الإجرائي، الذي يتيح اطلاعا أكثر وضوحا على جوهر الآخر، ضرورة استراتيجية تحول دون أن يتورط المرء في علاقات مع أشخاص غير جديرين، مراوغين بطبيعتهم ويمتلكون مهارة التمويه والادعاء.
كثيرا ما يقال إذا أردت أن تعرف حقيقة الشخص، عليك أن تسافر بصحبته، عندها سوف تتكشف وبسهولة تفاصيل قد تكون صادمة وغير متوقعة، ويحدث أن تتعزز صداقات قائمة منذ عقود أو تموت في أرضها على إثر سفر مشترك لا يتعدى أيام.
البشر بطبيعتهم بحاجة إلى الإبقاء على تلك الغلالة الضرورية، أو المساحة النفسية غير القابلة للاختراق تجعلهم في منأى عن الانكشاف التام، وذلك ما يكفل للعلاقات الإنسانية على اختلاف مسمياتها استمرارا آمنا ومريحاً، يتخلله تواطؤ متفق عليه بين جميع الأطراف، قد يبدو هذا الاستمرار مضللا في أحيان كثيرة، غير أنه يبقى مؤجل الخيبات لغياب عنصر المكاشفة المسبب لوجع الرأس في أحيان كثيرة!
ويغدو الإنسان أقل حرصا على هذه الغلالة في الظروف الاستثنائية، كحالات التعرض لخسارات في الأرواح والممتلكات، عندها يبدو الواحد منا هشا ضعيفا فاقدا لكل أدوات الادعاء، فيتصرف بعفوية وفق طبيعته من دون تحفظات تذكر، غير قلق جراء الانطباعات المتكونة عنه لدى الآخرين، بل سيصبح رأي الناس في حالات كهذه آخر همومه.
وتعتبر علاقات الشراكة بكل أشكالها حقلا من الألغام القابلة للثوران في أي لحظة، حيث يتخلى أطراف النزاع عن مفردات الدماثة واللياقة الاجتماعية عند أول تضارب مصالح.
وتظل علاقة الزواج النموذج الأكثر خطورة في هذا السياق، إذ يتصرف الزوجان في البدايات بتكلف مفرط، عاجزين عن الإفصاح عن دواخلهما بجرأة ووضوح خشية خسارة العلاقة، ويحاول كل منهما تقديم نفسه بأجمل صورة ممكنة إلى أن تكتمل الورطة بالارتباط الرسمي، حيث لن ينفع الندم، ويبدو مضحكا الجواب التقليدي الذي يقدمه أهل العروس للخاطب بأن أعطنا مهلة كي نسأل عنك! "طيب تسأل مَنْ عن ماذا يا عمي؟" وهل يكفي تجميع كمشة انطباعات عن بعد كي نبارك زواجا، المفترض أنه طويل الأمد، سوف يربط مصائر ويرتب علاقات مصاهرة وقرابة دم؟
ما يحدث بعد ذلك، وما أن تنقضي "جمعة الخطوبة المشمشية"، حتى يسقط القناع عن القناع مرة وللأبد، ويواجه كلا الزوجين تبعات المقلب الباهظ، حين تتكشف العلاقة بصيغتها الدائمة عن تنافر شديد في الطباع والميول، قد يطال أدق التفاصيل ويحيل حياتهما معا إلى جحيم غير معلن.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد تصنيف :بسمة النسور