خوان ميرو Joan Miró مصور ورسام ونحات وخزاف إسباني، ولد في برشلونة Barcelona وتوفي في بالما مايوركا Palma. Majorque.
 
تعلق ميرو منذ نعومة أظفاره بقرية مايوركا Mallorca حيث منزل والدته، وبمنطقة كورنوديلاّ Cornudella مسقط رأس والده. قرر وهو في الثامنة عشرة من عمره أن يقف نفسه على التصوير Painting في بيئة هيمنت عليها آخر الاتجاهات الفنية الفرنسية التي أتيح له ملاحظتها في المعرض التكعيبي الذي أقيم في صالة دالماو عام 1912. وكان أثر المعرض، إضافة إلى تأثيرات بول سيزان  Paul Cézanne والوحشيين واضحة كل الوضوح في أعماله الأولى بين 1915ـ 1918 التي أظهر فيها ميله إلى تصوير الأشخاص، والمناظر الطبيعية المتعلقة بعالم الريف في الصيف. وارتباطه العاطفي في ذلك العالم دفعه إلى إنتاج سلسلة من الأعمال في السنين التي تلت الأعمال التي سمي أسلوبها بالتفصيلي detailist لاهتمام المصور بالوصف الدقيق وبالتفاصيل في معالجة الموضوعات أو الأشخاص، وقد بلغت هذه المرحلة أوجها في لوحة »المزرعة« (1921ـ1922) التي تسرد المزايا الدينية في مزرعة عائلته في مونترويغ Montroig. وفيها يبدو تأثر ميرو الكبير بجداريات الفريسك الرومانسكي التي سبق أن رآها في متحف فن كتالونيا (قطالونيا) في برشلونة. واستقر بعد ذلك في باريس التي زارها من قبل. وسمح له النحات بابلو غارغايّو  Pablo Gargallo أن يستعمل مرسمه في شارع بلومه، بالقرب من بال نوار Bal Noir: المؤسسة التي كانت ملتقى الفنانين والكتاب السرياليين منذ عام 1924.
خوان ميرو «المزرعة»
 
 
وقد تعرّف ميرو هذا الوسط عبر بيكابيا  Picabia الذي التقاه في برشلونة، وصارا صديقين وكذلك أندريه بروتون  André Breton، وعرض بانتظام مع السرياليين منذ عام 1925.
 
تعاقب مكوث ميرو في باريس حتى عام 1936. وبدا في بعض لوحات هذه الفترة وكأنه يعبّر عن معاناته الاقتصادية؛ ومن ثم عن مشاعره تجاه الحرب الأهلية الإسبانية في معرض باريس الدولي (1937)، وعرضت هناك مع لوحة «غيرنِكا» Guernica لبيكاسو. وما لبث هذا العمل أن اختفى فيما بعد.
 
ذهب ميرو في عام 1940 إلى مدينة ڤارنجفيل Varengeville النورماندية هارباً من الحرب، وقام بتصوير ثلاثاً وعشرين لوحة صغيرة على الورق، جمعت تحت عنوان «الكوكبة»؛ وهي الناتج الملهم لتأمله سماء شاطئ النورماندي الزاخرة بالنجوم، ففيها إشارات تصويرية صغيرة تغطي السطح المصوّر كله.
 
عاد ميرو إلى إسبانيا في عام 1940، وأقام معرضاً استعادياً retrospective كبيراً في متحف الفن الحديث في نيويورك. أما نتاج السنة التالية فكان اعترافاً دولياً به متزامناً مع ما وصل إليه من النضج الفني الحقيقي.
 
استمر ميرو في تعميق لغته الشخصية وصقلها. وجرب وسائط وتقانات جديدة بثقة كانت تزيد من عظمته دوماً. ونما اهتمامه بالنحت في الأربعينات والخمسينات؛ وتعاون بانتظام مع جوزيب لورنس أرتيغاس Josep Lorens Artigas في أعمال الخزف. وعهد إليه بأعمال فنية في الولايات المتحدة الأمريكية مكنته من تعهد مشروعات كبيرة. وهذه قادت بدورها إلى جداريات الخزف (السيراميك) التي كانت تشغل حيزاً كبيراً من وقته بدءاً من عام 1958: إذ أبدع اثنتين منهما لمبنى اليونسكو في باريس. وكان ميرو في الوقت ذاته يصنع تصاميم السجاد والنسيج المطبوع بالتعاون مع حرفيين بارزين.
 
خوان ميرو «امرأة وطائر» (برشلونة)
 
 
بدأ عمل ميرو تحت تأثير التصوير الفرنسي الحديث (ما بعد الانطباعية، والوحشية، والتكعيبية) الذي اطلع عليه في أيام شبابه، في برشلونة، في صالة جوزيب دالماو Josep Dalmau. ولم ينجز ميرو في أعوامه الأولى أي تمرين أكاديمي، ولا حتى نسخاً مألوفاً للأعمال الكلاسية. وبدلاً من ذلك شرع ميرو في عمله مستفيداً من كل شئ بلغ ولعه به شأواً كبيراً. ومن بين هذه الأشياء أساليب الطليعة. أما تأثير الوحشيين فكان ظاهراً في لطخات فرشاته السميكة، وانفجار الألوان. ومن أهم أعماله في تلك المرحلة: لوحة «قرية سيورانا»، وإعلان لمجلة «اللحظة» L’instant ولوحة «المزرعة».
 
ثمة شعاع يسري عبر أعمال ميرو، ألا وهو إحساسه بأن شيئاً ما في الأرض فائقاً للطبيعة يستمد منه نشاطه الحيوي؛ شبيه بالطريقة التي تتغذى بها الشجرة عبر جذورها. وتمثلت مشاعر ميرو تمثيلاً قوياً في سلسلة من اللوحات التي أتمها ما بين 1918ـ1924. وكانت توصف غالباً بالتفصيلية detailist؛ لاحتوائها على مجموعة أوصاف دقيقة لعالم الريف الذي تولاه الفنان في لوحاته.
 
لم يكن ميرو سريالياً مستقيماً، ولكن الحركة السريالية قد أجازت استعمال أحلام ما تحت الوعي subconscious مادة فنية خاماً. إن عالم الخيال، وتحت الشعور كانا لميرو أكثر من غاية في حدّ ذاتها. من أهم أعماله في تلك الفترة «رأس مدخن».
 
ما إن استوعب ميرو مسارات تقدم السرياليين حتى ابتكر أيقونته الذاتية، مهتماً اهتماماً خاصاً بالشكل الإنساني. فقد أنتج من عام 1929 إلى عام 1938 سلسلة من الأعمال التي تميزت بلطخات فرشاة حرة، وواثقة، معيداً بناء العالم بألوان مسطحة، وأشكال بسيطة، ومثال ذلك لوحة «رجل وامرأة أمام كومة من الدّمن»، صورت هذه اللوحة في عام 1935 بالألوان الزيتية على النحاس، وأبعادها   ( 23.2×32سم). ولوحة «امرأة وكلب أمام القمر»، فقد صُورت هذه اللوحة في عام 1936 بألوان الغواش على الورق، أبعادها (45.7×43.5 سم). لهذه اللوحة صلة بواحدة من الأشكال النسائية في لوحة غيرنكا لـبيكاسو، والتي رُسمت بعد مرور عام على هذه اللوحة، فكلتا اللوحتين تعبران عن عذاب ضحايا الحرب. وقد تكررت ذات المعالجة المأساوية للشخص في الملصق الذي صممه ميرو، والذي كان معروضاً مع غيرنكا في الجناح الإسباني عام 1937 في معرض باريس الدولي.
 
أما مجموعة الكوكبات Constellations فهي عبارة عن لوحات صغيرة على الورق، صُورت في عامي 1940ـ 1941، والتي تبرز أمرين: رغبته في الهروب من الواقع العدائي، واستجابته لمنظر النورماندي ونورها المختلف كثيراً عن بيئته المتوسطية. فالسماء والنجوم هي الأفكار المهيمنة على هذه المجموعات، و«كتابة صُورية» ideograms توحي بالطيور، ورموز مجازية، ونجوم وحيوانات بعثت الحيوية في سطح منسوج (سطح ذو ملمس). ومن لوحات هذه الكوكبة: «نسوة أحطن بتحليق عصفور».
 
يشهد نتاج ميرو على حبور وجزل وبراءة نادرة، وعلى حس تصويري راسخ، ومهما بدا تنفيذ العمل أو إنجازه مهملاً مختصراً وسريعاً فإنه يتكشف عن لمسة رشيقة وإحساس كبير باللون المسفوح بخفة وشفافية لخلق انسجام لوني شديد الحيوية.
 
تتوزع أعمال ميرو في كبريات المتاحف والصالات العالمية، وفي المجموعات الخاصة، في كل من أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.
 
بطرس خازم
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث