ثمة عبارة طريفة نصادفها في الشارع، أينما توجهنا، تحتل خلفيات سيارات كثيرة على اختلاف أحجامها، تحمل في العادة أسماء شركات كبرى وأخرى مغمورة، تقدم خدمات تجارية متنوعة.
العبارة مكتوبة بخط واضح وأحرف ضخمة، وقد صيغت على شكل عبارة استفهامية تخاطب المارة باسم إدارة الشركة، وتوجه سؤالا على لسان السائق مفاده:كيف ترى قيادتي؟!
وكتب مع العبارة وبنفس الحجم كذلك أرقام هواتف، تتيح للجميع الاتصال الفوري بالشركة ربة العمل، كي يفيدها بتقريرعن مدى كفاءة السائق، وهكذا تنجح في توظيف متلقي الخدمة لغايات المراقبة والتفتيش، ما يضمن انضباط الموظف، البعيد عن رقابة الإدارة المباشرة.
الجملة إياها وضعت بمكر إداري بالغ، لغايات استمرار الرقابة على الموظف باعتباره سفيرا للشركة التي يعمل بها، كما أنها اعتمدت بهدف تلقى الشكاوي والانتقادات، واكتساب مصداقية وتفوق في سوق العمل الخدماتي بالدرجة الأولى.
بالطبع فإن تلك الوسيلة الرقابية التي ظهرت في شوارع عمان، منذ سنوات قليلة هي تقليد عالمي وصل إلينا متأخرا بعض الشيء. وتعمد الفنادق السياحية والمطاعم الكبرى كذلك إلى تقديم استبيان استقصائي، ذي طبيعة تلقينية بعض الشيء يقدمه موظفو هذه المرافق مشفوعاً بابتسامة عريضة، تضع متلقي الخدمة في حرج المجاملة.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لشركات الطيران التي تحرص على هذا التقليد، تحت عنوان تقبل النقد وتدارك الأخطاء وتقريع العاملين المقصرين والمسؤولين عن تشويه صورة المؤسسة.
وتلجأ شركات الاتصال إلى أسلوب مشابه حين تّبلغ هذه الشركات وبصوت آلي محايد المستهلك الذي يرغب في الاستفادة من إحدى خدمات الشركة، بأن المكالمة مسجلة لأسباب تتعلق بالجودة، ما يضعه في ارتباك مواجهة الميكروفون، فيضطر إلى تسخير مهاراته الدرامية في الأداء الصوتي ومساعدة الموظف المسكين على اجتياز فحص الرقابة بنجاح.
هي أساليب إدارية مشروعة بطبيعة الحال، رغم شبهة انتهاك الخصوصية أحيانا، وتشكيكها من حيث المبدأ بأخلاقيات المستخدمين لديها، وإذا تخيلنا من باب الفانتازيا المحضة وجود عبارة كهذه، ملتصقة بحكم القانون على ظهر كل منا، وطالما أننا ما زلنا في نطاق الخيال، فلن ندخل على العبارة أي تعديل أو إضافات، بل سندعها كما هي: مجرد سؤال إجرائي بسيط، كيف ترى قيادتي ؟؟ ذلك أن إدارة الحياة مهارة تحتاج إلى رخصة قيادة، لن ننجح في الحصول عليها من المرة الأولى، بل سوف نضطر وعلى غرار ما يحدث في دائرة ترخيص المركبات، إلى تكرار المحاولة المرة تلو الأخرى، قبل أن نحوز تلك الرخصة الثمينة التي تؤهلنا السير في دروب هذه الحياة، وذلك مع استمرار احتمالية وقوع الحوادث المؤسفة بين الحين الآخر!
وإذا تخيلنا توفر رقم هاتف افتراضي، يتيح للآخرين التواصل مباشرة مع الشخص المعني، والتعبير عن آرائهم ومشاعرهم تجاه طريقة قيادته، ترى أي نتائج مروعة سوف نتوصل إليها؟ وهل من الممكن لأي عبقرية في الوجود التوصل إلى رقابة على النشاط الإنساني المتعلق بقيم الحق والجمال والعدالة، أكثر دقة وصدقا وجمالا وبساطة من الضمير الحي- على فرض وجوده أصلا؛ شريطة أن يظل على قيد الصحو والانتباه.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد بسمة النسور