قصة مروعة أخرى تشهدها المملكة، كان مسرحها هذه المرة حي النزهة في مدينة الزرقاء، راحت ضحيتها صبية في التاسعة عشرة من عمرها، تعرضت منذ كانت في الرابعة عشرة لاعتداءات متكررة من والدها، بمعرفة وصمت، كي لا نقول تواطؤ والدتها، التي وقفت موقف المتفرج من انتهاك طفولة ابنتها، خوفا من الفضيحة، وخوفا من بطش الأب المجرم الذي سولت له نفسه المنحطة إلى أسفل درك أن يجري عملية قيصرية بدائية لابنته في المنزل للخلاص من ثمرة جريمته النكراء، كانت نتيجتها أن قضت الصبية نحبها شهيدة الوحشية والظلم والاعتداء السافر الذي طال روحها قبل أن يجهز على جسدها المستباح من أقرب الناس، والمفترض أنه أعزهم! وهو الحامي والراعي الذي خان الأمانة، وخالف كافة الشرائع السماوية، وخرج عن فطرة البشر القائمة على الخير من حيث المبدأ كما نتمنى.
لم تورد الأنباء تفاصيل كثيرة والقضية الآن في أيدي العدالة التي نطمح أن تقتص من هذا الوحش غير الآدمي، لتجعل منه عبرة وأمثولة لمعاقي النفوس والأرواح، والأمر المثير للاستهجان بل للغثيان والقرف هو موقف الأم غير المبرر تحت أي ظرف، كيف طاوعها قلبها على الصمت، وما الذي كان قد يحدث ويكون أكثر إثارة للرعب من مصرع ابنتها؟ أي أمومة هذه ارتضت على نفسها خيانة الحليب؟ كيف قبلت هذا الوضع الشائن، كيف استطاعت أن تضع رأسها على الوسادة وتنام ليلها الطويل وهي تعرف أن وحشا رابضا في البيت يفتك بصغيرتها من دون أن تموت قهرا، كيف تمكنت من النظر في مرآتها من دون أن تتهشم غضبا، كيف واصلت الطهي في مطبخها من دون أن تتكون أطباقها من العلقم الخالص، مليون كيف تطرحها بشاعة هذه الحكاية وليس ثمة جواب قد يشفي الغليل.
قبل عامين من الآن وفي هذه الزاوية بالذات تم التعرض إلى قصة مشابهة راحت ضحيتها طفلة لم تبلغ السابعة من عمرها على يد شقيقها الذي أؤتمن عليها لتوصيلها إلى المدرسة فافترس طفولتها وأجهز على آخر أنفاسها وألقى بها في واد عميق وحين اعترف بفعلته القذرة أفاد أن الشيطان قد وسوس له بذلك! ماذا يمكن أن يفيد سفاح قصتنا هذه التي تخجل شياطين الأرض والسماء من هول جريمته.
أتيح لي قبل أعوام عبر عملي في المحاماة من خلال برنامج محو الأمية القانونية للنساء في إحدى المناطق الشعبية المكتظة، الاطلاع على تفاصيل وأهوال تتضمن اعتداءات على أطفال ذكور وإناث يقترفها محارم مدمنون منحرفون أصحاب سجلات إجرامية، كانت الأمهات في معظم الأحيان يتخذن مواقف سلبية ولا يحركن ساكنا للدفاع عمن سكن أحشاءهن، يذرفن الدموع ويكررن أنهن عاجزات لا يملكن من أمرهن شيئا، وغالبا ما كانت مثل تلك الحكايات ما تفتضح من خلال المدرسة التي تلاحظ سلوكيات الأطفال الضحايا وهي سلوكيات غير سوية بالضرورة، حيث يميلون إلى العنف والتدمير كوسيلة وحيدة للاستغاثة، وغالبا ما لعبت معلمات مخلصات دورا مفصليا في إنقاذ أولئك الضحايا من براثن المعتدين.
من هنا المطلوب من وزارة التربية والتعليم توفير كل السبل للمدارس في كل مكان كي تقوم بالتركيز على الإرشاد النفسي وتوعية الطفل لحماية خصوصية جسده وتكثيف التواصل مع الصغار سيما المشتبه ببؤس ظروفهم الأسرية، وذلك للأهمية القصوى لهذا الإجراء الاحترازي الذي من شأنه الحيلولة دون استمرار مسلسل الإثم والعدوان!
الرحمة والسلام لروحك المعذبة أيتها الشهيدة الصغيرة وقد عزت أسبابها في كنف والديك غير البارّين!
وحمى الله صغارنا من كل سوء
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد تصنيف :بسمة النسور