ظاهرة خطيرة جدا، تمكنت أخيرا من إثارة هلع وذعر الحكومة السويسرية الرشيدة وجعلها تستنهض كل كوادرها وتعلن حالة طوارئ قصوى، ودفعت هيئات ومؤسسات المجتمع المدني كافة، من مجالس نواب ومراكز حقوق إنسان وروابط ونقابات ونواد رياضية كبرى وأحزاب وقوى سياسية وجمعيات متعددة الأغراض ومؤسسات أكاديمية ومفكرين وسوسيولوجيين وعلماء نفس وخبراء ومراكز استطلاع رأي وصحافيين ووسائل أعلام رسمية وشعبية ومواقع إلكترونية وآباء وأمهات وناشطين، إلى الالتفات إلى تلك الظاهرة الخطيرة، وحفزت الجميع من أجل بذل مزيد من التكاتف والتنسيق لغاية التصدي لها والخروج بحلول جذرية تحول دون استمرار مسلسل العنف الاجتماعي، الذي تحول إلى ظاهرة مزعجة في المدن السويسرية الوادعة؛ إذ لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل حالة مشاجرة غالبا ما تسفر عن ضحايا في الأرواح والممتلكات وتترتب عليها عطوات وجاهات وجلوات وتبويس لحى في نهاية الأمر، إضافة إلى بيان يصدره العقلاء أن تلك تصرفات فردية طائشة ليست من شيمنا ولا تمثل أخلاقنا، وكليشهات من هذا النوع الذي حفظها المواطن السويسري عن ظهر قلب.
كما بذلت تلك الأطراف مجتمعة جهودا كبيرة في محاولة تفهم أسباب نقمة المواطن السويسري ونزوعه إلى العصبية والإحباط رغم أن (الحياة حلوة بس نفهمها!)، وبات ملحوظا أن بعض طلبة الجامعات من الشباب الواعد بالظلام باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على أمن المجتمع واستقراره، بسبب من إغفالهم الجانب الأكاديمي المفترض بهم كطلبة يتلقون علوما قد تنفعهم في المستقبل وتركيزهم الغبي على علم الأنساب والأشجار العائلية الوارفة سعيا إلى تأكيد فكرة الأصالة والعراقة لسابع جد!
انتشرت في السياق ذاته أغان عجيبة غريبة ذات نبرة تعبوية نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، أغنية لمطرب سويسري شعبي متخصص في الأغاني الوطنية التي تبعث الحمية والحماسة والحشد والرباط، ضد عدو وهمي أوجدته لحظة فراغ إنسانية وفكرية ومعرفية وحضارية، ولعجز في تجسيد ملامحه الضبابية تم تمثله بزملاء ورفاق طفولة وجيران على مقاعد الدرس وهم الشركاء حكما في التاريخ والملامح والمصير ونبرة الصوت، ليس على مستوى (شرقا وغربا) فحسب (وتلك حكاية أخرى بالطبع)، ولكن يتعداه إلى الشمال والجنوب والوسط والأطراف، يكون عادة عيب هؤلاء الرفاق الأساسي أنهم ينتمون إلى بقعة جغرافية تبعد بضعة كيلومترات يمكن قطعها سيرا على الأقدام لو أن الزمن ظل بهيا كما حلمت الأمة السويسرية ذات يوم.
تلقف بعض طلبة الجامعات السويسرية من جماعة المعدلات المتدنية ممن لم يتعلموا فك الحرف، وهم المستفزون والمستنفرون والمعبأون بمشاعر الحقد والعصبية، كلمات تلك الأغنية المسروقة أصلا من أغنية شامية معروفة ولكن بتحوير قليل تقول كلماتها "أنا سويسري ويا نيالي سويسري عمي وسويسري خالي بلاد العز سويسرا بلادي فيها عاشوا وماتوا اجدادي"!!، وقد استاء من الأغنية طلاب غير سويسريي المنشأ (أبا عن جد)، ولنفترض جدلا أنهم ينحدرون من أصول سويدية واعتبروا كلمات الأغنية الركيكة ومثيلاتها نصوصا استفزازية مضادة لهويتهم وثقافتهم وأنها تحط من قدرهم وتستهدفهم شخصيا (هيك من الباب للطاقة)، فدبت في إحدى الجامعات السويسرية العريقة مشاجرة جماعية مترامية الأطراف، وفي المقابل، وتحت فورة الدم، اقترح شاب جامعي سويدي معصب دائما من دون أسباب واضحة تبني شعار "أنا سويدي غصبن عن اللي ما الو خاطر!"، وراح يعيث ورفاقه السوايدة عنفا ومشاجرات واستفزازات في الصرح الأكاديمي المتصدع في جوهره كما يبدو! فيما رفعت شلة شبيحة من أصول نرويجية في جامعة خاصة شعارا طريفا رغم عدوانيته السافرة، مفاده أن (كشرتنا أحلى من ضحكة غيرنا) قبل أن تشرع في تحطيم كل ما يقع تحت يدها من ممتلكات الجامعة تحت سورة الغضب الجماعية التي عصفت بهم نتيجة لما وصفوه باستفزازات الطرف الآخر!
القراء الأعزاء: ألا ترون معي أن: الحالة السويسرية معقدة جدا ومفجعة جدا ومقرفة جدا ولا تبشر بالخير، كان الله في عونهم على القادم وهو ليس أجمل بالضرورة!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد تصنيف :بسمة النسور