قرأت في السنوات الثلاث الماضية حوالي مائتي كتاب؛ أعددت عروضا ومقالات عن مائة منها، والمائة الأخرى ما تزال ملاحظات وقصاصات وإشارات على صفحات وهوامش هذه الكتب، وأفكارا متبقية في الذاكرة. 
وتأملت خلال الإقامة الطويلة في البيت أثناء المنخفض الثلجي، أن أنهض للكتابة عن الكتب التي قرأتها؛ على الأقل تلك التي لدي عنها قصاصات مكتوبة. فأنجزت ثلاثة كتب. لقد كانت العملية أصعب من القراءة؛ فالكثير من الكتب لم أعد أتذكر منها إلا القليل، وما كتبته صار مع الزمن قليل الفائدة، لأني أكتب بطريقة إشارات واقتباسات، فيما المقال الرئيس يكون في ذهني. فإن كتبت فورا، يخرج مقالاً مكتملاً؛ أما إن مضى زمن، فإن الفكرة تضيع ولا يظل إلا الملاحظات والاقتباسات والإشارات التي لم تعد تعني لي ما كانت تعنيه عندما قرأت الكتاب. ولكني على الأقل استطعت أن أضع قائمة بالكتب المائة التي قرأتها ولم أكتب عنها بعد.
كانت الكتابة عن الكتب فكرة لأجل النشر والكتابة، ولم تكن لأجل الاستذكار في محتوى هذه الكتب. ولكني لم أعد أتذكر إلا ما كتبته، وفي أحيان كثيرة لا أتذكر أني قرأت الكتاب لولا ما كتبته. 
ساعدتني الكتابة في تنظيم الأفكار وتثبيتها، ولكنها أفقدتني جزءا من المتعة والصحبة مع الكتاب؛ لم نعد أنا والكتاب صديقين نتبادل معا الأفكار والحديث والشجى، وصرنا مثل عاملين صينيين نشتغل معا بحثا عن الفكرة الأساسية، ومراجعتها وتدوينها، والرد عليها. وفي غالب الأحيان، لا نقرأ (أنا والكتاب) الكتاب كله؛ نبحث عن فكرته الأساسية وكتفه التي يؤكل منها، وأحيانا يضنينا ذلك فنقرأ مرة ومرة ونعيد القراءة.
وضعت الكتب التي قرأتها وأريد الكتابة عنها في ترتيب استثنائي معترضة الرفوف. ولكنها صارت تواجهني في البيت؛ تلح في العمل لأجلها وتحرجني. فأعدت معظمها إلى الرفوف كما كانت. وفي أثناء ذلك، وجدت كتبا كثيرة جميلة ورائعة ومهمة يجب أن أقرأها، فوضعتها في رفوف مستقلة حتى أجدها بسهولة عندما أحتاج إليها. ولكنها صارت مكتبة أخرى تحتاج إلى زمن طويل. أظن أني بحاجة إلى مائة سنة على الأقل من "الحبسة" في البيت حتى أستطيع قراءة الكتب التي يجب أن أقرأها.
في أثناء ذلك، واجهتني مسألة أخرى أكثر تعقيدا وصعوبة: الكتابات والمشروعات غير المكتملة، والتي يمكن تحويلها إلى كتب، وقد وصلتُ في جمعها وإعدادها إلى مراحل متفاوتة؛ بعضها يقترب من نهاية الطريق، وبعضها الآخر في منتصفه، وما بين المنتصف وقبيل النهاية. ووجدتها مشروعات كتب كثيرة، وضعتها في قائمة طويلة من 30 كتابا أو تزيد قليلا. وعندما نظرت فيها وما تحتاج إليه من زمن، وجدته على التقريب عشر سنوات من التفرغ الطويل والاجترار والاستيعاب. وبالطبع، فإن ذلك كله، على ما فيه من محتوى يمكن أن يعلمني شيئا أقدمه للناس، فإنه غير مفيد ماليا، وقد لا يعود علي بتكاليف طباعته ونشره! ولا أملك ترف الوقت ولا الموارد التي تغنيني عن عملي اليومي الحياتي! هذا ما خرجت به في هذه الثلجة، ولله الحمد والمنّة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد