هل ثمة مجال لأن تنشئ الشركات ومؤسسات الأعمال الكبرى والمتوسطة، شراكة اقتصادية مع المجتمعات والأفراد، تعود بالربح على الطرفين؟ وهل ثمة مجال لاستثمارات وسياسات اقتصادية واجتماعية تتبعها الشركات، تزيد من أرباحها وفرصها الاقتصادية، وترسخ أعمالها وحضورها في السوق؟
لا أتحدث بالطبع -ولا بأس في تأكيد ذلك- عن تبرعات الشركات ورجال الأعمال للعمل الاجتماعي والخيري، ولا عن برامج المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص الموجهة بشكل كلي للعمل الاجتماعي وخدمة المجتمعات؛ فهذا المجال على أهميته وضرورته، لا يمكن أن يكون إلا نسبة صغيرة من أعمال الشركات والقطاع الخاص. وهذا موضوع مستقل، يمكن أن أعود للكتابة عنه في مناسبة أخرى!
ولكن هذه المحاولة تهدف إلى التفكير والبحث والاقتباس في العمل الاقتصادي والاستثمار الهادف إلى الربح، ويعود في الوقت نفسه على المجتمعات والأفراد بالتنمية وتحسين الحياة والخدمات والمرافق الأساسية، ويمتد أيضاً إلى سياسات ومشروعات اجتماعية في العمل والإدارة لدى الشركات، هي في الوقت ذاته استثمار اقتصادي، أو يمكن أن تخدم الشركة اقتصاديّا وتزيد فرصها ومواردها.
هناك فكرتان يمكن الإشارة إليهما عن الشراكة الاقتصادية مع المجتمعات والفقراء، تحدث عنهما المفكر الاقتصادي "سي. كيه. براهالد" (كتاب "الثروة في قاعدة الهرم")، إضافة إلى فكرة المبادرات الشركاتية لمواجهة الفساد، والتي تحدث عنها بيتر آيغن" (كتاب "شبكات الفساد والإفساد").
يتحدى براهالد (1941–2010)؛ أستاذ الاقتصاد بجامعة ميتشغان، الفكرة السائدة عن ارتباط الربح باستهداف الأغنياء فقط. ويؤكد أن الفقراء يحتاجون إلى شراكة وكرامة، أكثر مما يحتاجون إلى صدقات ومعونات.
والاستشهاد بكتاب براهالد يجب ألا يصرفنا للتفكير فقط في البلدان والمجتمعات الفقيرة، وإنما هي فكرة يمكن اقتباسها في جميع الدول، لبناء شراكة مع الطبقات الوسطى، وتوزيع الأعمال والثروات توزيعا عادلا. ويجب ألا يُنظر إلى الأمثلة والقصص التي يعرضها براهالد من الهند والدول والمجتمعات الفقيرة، على أن الفكرة هي الشراكة الاقتصادية مع الفقراء فقط، ولكن الشاهد في الأمثلة أنه إذا أمكن إقامة استثمارات ناجحة ومربحة في مجتمعات فقيرة، فإنه يمكن بناء شراكات اقتصادية مع المجتمعات والطبقات الوسطى والفقيرة في جميع الدول؛ الغنية والمتوسطة والفقيرة.
يقول براهالد إنه في تجربة الهند، تغير المنطق السائد لدى صانعي السياسة؛ من كون الفقراء هم المشكلة، إلى أنهم يمثلون سوقاً يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها بفعالية، وأن يكونوا مستهلكين. ويتحدث براهالد عن أفكار تلائم "قاعدة الهرم"؛ مثل البيع بالتقسيط، والسلع بأحجام صغيرة وأثمان معقولة، وأن تكون سهلة الصيانة، ويمكن للمستويات الثقافية والتعليمية المختلفة التعامل معها، والتوفير في الطاقة، والانسجام العميق مع الغرض من إنتاج السلعة.. وبالطبع تقليل التكلفة!
ويستطيع القطاع الخاص أن يكون جزءاً أساسياً من مشروعات التنمية ومكافحة الفقر، كما يمكن أن يكون عنصراً أساسيّاً في مكافحة الفساد. فقد استطاعت شركات كبرى إنتاج أنظمة إدارية ومالية تساعد الحكومات والإدارات والمواطنين على الحصول على الخدمات المطلوبة بسرعة، ومن دون تكلفة إضافية أو حاجة للرشوة.
ومن شأن تطبيق هذه الأنظمة الإدارية والمعلوماتية أن تفيد الشركات المنتجة والمواطنين الفقراء والحكومات المحلية والمركزية أيضاً. واستطاعت الخدمات التجارية السريعة، باستخدام البطاقات الإلكترونية، الحد بنسبة كبيرة من الفساد والهدر؛ مثل دفع الفواتير، وتجديد الرخص، وإدارة المعاملات الحكومية والتجارية.
ويمكن الحديث أيضاً عن الاستثمار في بناء وتعزيز بيئة الأعمال، عبر سياسات اجتماعية تعود على المجتمعات والأسواق بالنمو والفائدة؛ مثل المبادرات الطوعية للشركات بالامتناع عن الرشوة، ومواجهة الفساد، والالتزام بالتنافس العادل على العطاءات والتوريدات، وتبني سياسات عادلة في التوظيف والترقية، والمساهمة في توطين الأعمال والحرف والمهن، والارتقاء بالأداء المهني والحرفي والمشاركة في التدريب. وهذه تصلح لمقال مستقل عن اقتصاد الثقة والعائد الاقتصادي المباشر للمسؤولية والسياسات الاجتماعية.

ابراهيم غرايبة


المراجع

maqar.com

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية