أواصل عرض ومناقشة كتاب كينيث والتز "الإنسان والدولة والحرب"، مستعينا بكتاب "أوقفوا الحرب" لمؤلفيه روبرت هندي وجوزيف رتبلات، وتقرير المعهد السويدي للسلام.
وقد قدم الليبراليون في محاولتهم الطويلة لإحلال العقل محل القوة العسكرية، فكراً متراكماً عن حدود استخدام القوة المادية المنظمة، التي من شأنها أن تنشئ العالم المسالم الذي يرغبون فيه. وهنا، فإن التنظيم الاقتصادي هو المفتاح، وليس التنظيم السياسي. وعلى أي حال، فإنه -برأي والتز- لا يمكن تعميم نمط معين من أنماط الدولة والمجتمع لبلوغ السلام العالمي. فالعلاقات الدولية تصنعها تصرفات الرجال الذين يمثلون الدول، وهؤلاء تصنعهم مجتمعاتهم. ولكن البيئة السياسية الدولية لها تأثير كبير على طرائق سلوك الدول.
وفي ملاحظة التفكير الإنساني في مشكلات السياسة، يجد "والتز" فكرتين متناقضتين حول العلاقة بين بنية الدول، وبين أنواع الحروب التي تشنها؛ البنية السياسية للدولة تتأثر إلى حد بعيد بتنظيمها العسكري، وهو ما تفرضه عوامل خارجة عن السياسة كالموقع الجغرافي. وفي المقابل، فإن البنية السياسية الداخلية من شأنها فرض تنظيم واستخدام القوة العسكرية.
وبوجود كثير من الدول ذات السيادة، كما يلاحظ والتز؛ وبغياب نظام قانوني واجب النفاذ بين تلك الدول، وبقيام كل دولة بالفصل في مظالمها وطموحاتها وفق إملاءات منطقها الخاص ومشيئتها، فإن الصراع الذي يفضي أحيانا إلى الحرب واقع لا محالة.
أما هندي ورتبلات في كتابهما "أوقفوا الحرب"، فيلاحظان أن الحروب تتنوع في أسبابها. ولا يوجد اتفاق على تعريف مفهوم الحرب، إلا أنها عادة ما تسفر عن ضحايا كثر، وإصابات وخسائر غير عسكرية بنسب عالية جداً. ومع إقرارهما بتنوع وتعقد أسباب الحروب، فإن العامل الأساسي هو توافر الأسلحة.
إن معظم أسباب الحرب سياسية تقريبا. فكل دولة تعنى بمصالحها الخاصة، ويؤدي تضارب المصالح إلى العنف. كما أنّ لأداء القادة وشخصياتهم دورا حاسما في الحرب. ومع ذلك، فإن احتمال خوض الدول الديمقراطية الحرب ضد بعضها بعضا، أقل من احتمال خوض الدول الاستبدادية لها. لكن إمكانيات الخطر تبقى موجودة رغم ذلك.
وقد أُسس معهد "ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي" العام 1964، في ذكرى مرور 150 سنة من السلام المستمر في البلاد السويدية. واستطاعت الدول الأوروبية بعد قرون من الحروب أن تجعل الحرب العالمية الثانية نهاية للحروب بينها، ومرَّ على انتهاء هذه الحرب أكثر من ستين سنة. فهل يمكن للعالم أن يُحلّ السلام بدلاً من الحرب في تسوية نزاعاته وعلاقاته كما فعلت أوروبا؟ 
تكاد تكون الحروب بين الدول توقفت. لكن العالم (الثالث بالطبع) يشهد موجة غير مسبوقة من الصراعات والحروب الأهلية الداخلية. وقد أحصى معهد ستوكهولم عشرات الصراعات التي وقعت في السنوات القليلة الأخيرة في آسيا وأفريقيا.
وقد تشعر مجموعات في دولة ما بالاستياء، وتعتبر نفسها مغبونة من السلطة، فتلجأ إلى وسائل عنيفة للحصول على ما تعتبره حقوقا مشروعة لها. وللدول صلاحية مطلقة في التحكم بالشؤون الداخلية ضمن حدودها الخاصة، ولا يسمح بتدخل الأمم المتحدة أو هيئات خارجية أخرى إلا عندما يكون السلام أو الأمن الدوليين مهددين.
وقد تلجأ المجموعات التي تفتقر إلى الموارد وتعتبر نفسها محرومة، إلى الإرهاب؛ إذ العنف يولّد العنف. ومن هنا، يجب التعرف على حافز أعمال الإرهابيين، وتصحيح الظلم الذي يشعر به المظلومون حول العالم.
كما أن الاختلافات الثقافية بين البلدان وداخلها يمكن أن تُشكّل أسسا للحرب. وكثيرًا ما ترافق النزاعات اختلافات عرقية ودينية. فالتمييز بين المجموعات داخل الدولة يؤدي إلى مشاعر الخوف والاعتداء، لكن النزاع غالبا ما يقوم على أسباب اقتصادية، فيما تستخدم العرقية والثقافة كأساس للتعبئة السياسية.
وتعتبر الاختلافات الدينية مظهرا من مظاهر العرقية. لكنها تكون أحيانا وقودا يغذي مؤسسة الحرب، بالإضافة إلى القضايا الأيديولوجية الأخرى، ونزعة الانتقام الطبيعية نتيجة الأضرار الحاصلة.
وتلعب العولمة -التي تجعل الأحداث الحاصلة في أجزاء مختلفة من العالم مترابطة تدريجيّا مع بعضها بعضا أكثر فأكثر- دورا في تأجيج الحروب. إذ إنها تعمق الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وبين الفقير والغني داخل الدولة، ويرتبط تفاوت الثروات بالاستياء والنزاع. ويعد الفقر وتفاوت الثروة من العوامل المؤدية إلى الحرب. ويمكن أن يجعل التدهور الاقتصادي العنف أكثر احتمالاً، عندما تصبح الموارد أكثر ندرة داخل المجتمع. 
ابراهيم غرايبة 

المراجع

ammonnews.net

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية