يهدف برنامج التمكين الديمقراطي، الذي ينفذه صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، إلى تجذير الديمقراطية في ثقافة ووعي وممارسات يومية ومؤسسية؛ والتدريب على مهارات الديمقراطية، وبخاصة الحوار. وهو يستهدف أساسا طلبة المدارس، بإنشاء أندية للحوار في المدارس.
مؤكد، بالطبع، أن الديمقراطية منظومة من المهارات والقيم التي يجب الوعي بها وتطبيقها.
ويبدو "البرنامج" مدركا لهذه الحقيقة، ويسعى في استيفاء متطلباتها؛ بالتدريب، وتدريب ميسري الحوار، والعمل بين الطلبة.
وهذا أمر جيد. لكن أزمة التمكين الديمقراطي أعمق وأعقد من التدريب والإحاطة بالمهارات والوعي اللازم بالديمقراطية؛ وتبدو لي هذه الأزمة، في جوانب أخرى، أكثر تعقيدا وصعوبة؛ أولها إنشاء البيئة الحاضنة للديمقراطية. وهذا ما لا يمكن التدريب عليه، أو لا يحقق التدريب منه سوى جزء يسير. ولكن تنشئها (البيئة الحاضنة) بيئة شاملة من التشريعات والتقاليد وأنظمة التعليم والإدارة والتنافس، وبتصحيح العلاقة بين الإعلام والمجتمع، كما تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع، والدور المفترض للدولة في تحفيز الإبداع الاجتماعي والاقتصادي، والدور المفترض للمجتمع في المشاركة وفي الولاية على الثقافة والتعليم والتنشئة والمرافق والخدمات المجتمعية الأساسية.
ولكن، يمكن أن يركز محتوى "البرنامج" (وهذا اقتراح) على تشكيل الوعي بهذه البيئة من خلال الحوار والنقاش، بحيث يتدرب الطلبة على المهارات اللازمة للديمقراطية، وفي والوقت نفسه يكتسبون الوعي بالواقع القائم، والحالة المرغوب فيها للمجتمع والدولة والأفراد.
ويبدو لي أيضا أن "البرنامج" بحاجة إلى أن يربط الحوار والديمقراطية بالمصالح والأولويات والاحتياجات الأساسية للأفراد والمجتمعات، بحيث يكونان أداة تنمية وتعليم، وليس مجرد هواية نبيلة، وإنما منظومة حماية للمصالح الأساسية للدولة والمجتمع والأفراد؛ وباعتبارهما ضرورة لا يستغنى عنها في التعليم والتنمية والإبداع، وليسا زينة غير ضارة، أو إضافة جميلة إلى الحياة والعمل. وهما (الحوار والديمقراطية) بذلك ليسا بالضرورة عملا جميلا أو اختياريا أو تطوعيا، بل تنازلات تكون في كثير من الأحيان قاسية ومؤلمة، تجبرنا عليها الحاجة إلى التعلم والفهم والعمل المشترك، لأجل تحقيق منافع واحتياجات لا يمكن الحصول عليها من غير الديمقراطية!
وفي مرحلة إسناد كثير من الخدمات الأساسية إلى القطاع الخاص، فإن مفهوم الحقوق والوعي بها بحاجة إلى تعديلات وتنظيمات وتدريبات جديدة مختلفة أيضا؛ ذلك أن كثيرا من الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والاتصالات والإنترنت والبريد والنقل، وفي أحيان كثيرة أيضا التعليم والصحة، أصبحت سلعا وخدمات توفرها الشركات وليس الدولة. ومن ثم، فإن الوعي بها وتحقيقها والارتقاء بها، يقع في سياق العلاقة بين السوق والمستهلك، وبالتالي فإن المواطنين بحاجة الى الوعي والعمل باعتبارهم مستهلكين، وليس دائما باعتبارهم مواطنين ودافعي ضرائب.
أخيرا، فإننا بحاجة إلى محتوى واسع في التوعية بالحقوق الأساسية؛ الاقتصادية والاجتماعية، في التعليم والعمل والصحة والسكن والغذاء، كما الوعي بمؤشرات التنمية البشرية، وربط ذلك بالديمقراطية والحوار.
بقلم: إبراهيم غرايبة.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد الآداب