ثمة تقنيات تنتشر، وأحداث تمر، بهدوء وقليل من الدهشة، من دون أن نلاحظ حجم تأثيرها وعمق التحولات التي تنشئها في الموارد والعلاقات وحياة الأفراد والمجتمعات، وما يجب أو يمكن أن تغيره في المؤسسات والتشريعات!
نحتاج إلى تمرين ذهني طويل ومرهق، لنتتبع ما يمكن أن تنشئه التقنيات والأحداث المحيطة بنا.. هل سيلغي "واتس آب" شركات الاتصالات؟ هل ستظل شركات الاتصالات قادرة على العمل بالطريقة المتبعة الآن، أم أنها ستتحول هي الأخرى إلى أسلوب جديد مختلف جذريا؟ أم أنها ستلحق بالبريد؟ هل ستغير الألواح "التابلت" في المؤسسات التعليمية والمناهج والمهن المتعلقة بالتعليم؟ هل ستبقى المدارس والجامعات والهيئات التدريسية تعمل كما لو أنه لا يوجد في الدنيا "آي باد"؟ أليست ألواح "آي باد" بديلا للجامعات والمدارس والأساتذة؟ أو أنها على الأقل تغير جوهريا في العملية والمؤسسات والمهن التعليمية؟
هل ستبقى المؤسسات الإعلامية التقليدية؛ الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية، قادرة على الاستمرار كما كانت من قبل، أم أن "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" تأخذ مكانها، أو تغير فيها جوهريا؟ وكذا الأمر بالنسبة للمهن والأعمال المتعلقة بالإعلام؟
أليس واقعيا أن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي سوف تجعل التعليم والتدريب مجانيين أو متاحين بتكاليف قليلة؟ وأن العلاج والفحوصات والاستشارات الطبية سوف تكون متاحة مجانا؟ وأن تقنيات التواصل ستجعل، أو حتى جعلت، فرص الرعاية والمراقبة للمرضى والأطفال وكبار السن والمحكومين بجناية أو جنحة، ممكنة ومتاحة من غير مؤسسات ولا أشخاص بشريين؟ ما معنى وجود فرص لإلغاء أو تخفيض النفقات بنسبة كبيرة جدا في التعليم والصحة والأمن والرعاية؟
نعلم ونلاحظ أنه يجري تطوير الحواسيب لتقوم بكثير من الأعمال البشرية. وقد أمكن إسناد أعمال بشرية كبيرة وكثيرة للحاسوب والبرامج الحاسوبية.. إلى أين ستصل قدرة الحواسيب؟ وماذا سيبقى من عمل بشري؟ وماذا سيؤدي الحاسوب بدلا من البشر؟ ثم، وبطبيعة الحال، يكون السؤال: ماذا سيبقى من مهن ووظائف وأعمال؟ وماذا سينشأ من أعمال؟ هل ستبقى العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل كما هي متبعة اليوم، أم ستأخذ اتجاها واقعيا وقانونيا مختلفا؟ هل سيظل ضروريا أداء الأعمال والوظائف في المكاتب والمؤسسات؟ وإذا لم يعد ذلك ضروريا، ماذا سيحدث للمؤسسات والمباني والمرافق؟ وهل سيكون ضروريا الإقامة قريبا من العمل، طالما أنه يمكن أداؤه من أي مكان؟ ماذا سيحدث للمدن والبلدات طالما أنه لم/ لن يعود ثمة حاجة للإقامة فيها؟ كيف ستكون البيوت عندما تكون هي مقر العمل وتعليم الأولاد؛ إذ لا مؤسسات ولا مدارس؟ كيف ستكون مخططات المدن والطرق، طالما أنه لم يعد ثمة حاجة للانتقال والنقل بالحالة القائمة اليوم؟
هذه أسئلة، وغيرها كثير، لم تعد شأنا مستقبليا، وإنما واقع يتحدانا اليوم، بل وبدأ يتحدانا منذ سنوات!
ابراهيم غرايبة
المراجع
ammonnews.net
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد العلوم الاجتماعية