من القرارات الصحيحة التي تم اتخاذها في الحكومة الحالية قرار وقف التعيينات في المناصب العليا إلى حين انتهاء الانتخابات العامة، حيث يدرك الجميع أن مثل تلك التعيينات تستخدم ورقة جذب وضغط في حشد الأصوات الانتخابية.

ولكن دون وجود معايير واضحة يتم الالتزام بها بعمليات التعيين، ستكون الطريقة الرئيسة باستكمال التعيينات في فترة ما بعد الانتخابات هي لخدمة الأشخاص المرتبطين عائليا وتنظيميا بالحزب أو الأحزاب والكتل البرلمانية التي تسيطر على الحكومة المقبلة وبالتالي نعود إلى نفس الدائرة.

للأسف ليس صحيحا أن الأردنيين يبحثون عن معايير الكفاءة والمعرفة والخبرة في التعيينات والمناصب والمكاسب، فالمعيار ربما الوحيد هو الضغوط العائلية وتدخل الشخصيات النافذة والواسطات، وأعتقد جازما أن 90% من الذين انتقدوا التعيينات الأخيرة لحكومتي الخصاونة والطراونة كانوا سيوافقون عليها ويدعمونها لو كانت من نصيب أقاربهم وأصدقائهم.

وقد كان من الطريف أن نقرأ لبعض الوزراء السابقين انتقادات بأن التعيينات جاءت لمحاباة النواب والشخصيات النافذة، ونحن جميعا نعلم أن هؤلاء الوزراء قاموا بنفس التعيينات لأقاربهم في السابق، وسيقومون بها لو أتيحت لهم الفرصة مرة أخرى.

وتركز النقد أيضا على أن الكثير من المناصب راحت لأبناء وأقارب الوزراء والنواب، وهذا صحيح ولكنه ليس جديدا أيضا لأنه انعكاس للثقافة الأردنية السائدة. البعض يرد بأن أبناء الوزراء والنواب يمتلكون مزايا علمية كثيرة فهم حاصلون على شهادات الدكتوراة والماجستير من أعرق الجامعات الأميركية والغربية، وعملوا مديرين وخبراء في القطاع الخاص والقطاع العام. ولكن هذا هو أيضا بيت القصيد فهذه الفرص لا تمنح لأبناء المواطنين العاديين، وبعثات الدكتوراة والماجستير على حساب الحكومة لا تنمو على أشجار النعيمة والرمثا ودير علا والبقعة وراكين وأرويم والقويرة، فهي تأتي للقادرين على معرفة تفاصيل هذه المنح والحصول عليها في رأس هرم القطاع العام والجامعات.

ليس من الصعب الوصول إلى الحقيقة الجذرية في مسائل التعيينات والفرص في الأردن لأنها مبنية على العلاقات والقرب من أصحاب النفوذ وكل واحد منا مر بهذه التجارب.

وإذا أراد أي شخص أن يحصل على وظيفة جيدة “دون واسطات” فعليه أن ينظر فورا في الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة أو أن يعمل مع مؤسسات دولية لا تعتمد المحاباة لأن هذا النظام لا يعمل في الأردن.

الأردنيون جميعا يعتبرون أن المسؤول القوي هو الذي يدعم أقاربه في العمل والتوظيف، والمسؤول الضعيف هو الذي يهتم بمعايير الكفاءة ولا يقبل التوسط لأقاربه، وفي كل مرة حاول مسؤول أن يعتمد على الكفاءة كان يجد عائلته وأقاربه يتنكرون له فور خروجه من الموقع لأنه خذلهم.

شخصيا لا توجد لدى مشكلة في تولي أبناء النواب والشخصيات المتنفذة مواقع مهمة، على شرط أن يكون هناك نظام من المحاسبة بحيث يتم إعطاء فرصة لأبناء الشخصيات في الإدارة لمدة سنة أو سنتين، وإذا فشلوا لا تتم الاستعانة بهم أبدا مرة أخرى.

وهكذا فإن ذلك يمنح فرصا أمام المواطنين العاديين ولكن تبقى دائما مشكلة “إعادة التدوير” وهو نظام يجعل المناصب العليا حكرا على النخبة الاقتصادية والسياسية ومن يفشل في موقع يمكن له بسهولة أن ينتقل إلى مكان آخر.

المشكلة الثانية هي أن التغير السريع في الوزارات يزيد من أعداد الوزراء السابقين والمسؤولين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم ولكن الدولة تعتبر نفسها “مدينة لهم” كما أنهم يعتبرون أنفسهم “أولاد الدولة” وبالتالي لا بد من تذكرهم في كل مرة تحدث فيها وجبة جديدة من التعيينات والتي عادة ما ترسو على المرشحين الأكثر واسطة ونفوذا ضمن سياق الحكومة المعنية التي تتخذ القرار.

هذا مرض مزمن في الإدارة الأردنية ومن الصعب وجود حل له إلا من خلال معايير ملزمة لفتح أبواب التعيينات العليا بنفس طريقة الوظائف العادية عن طريق الإعلانات المفتوحة والمنافسة ووجود لجان محايدة تتخذ القرارات بحيث لا يتم تعيين اي شخص في لجنة مقابلة يكون مرتبطا عائليا أو تنظيميا أو سياسيا بأي من المرشحين.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور