اشتكى الخبراء الاقتصاديون والنشطاء السياسيون كثيرا في الاشهر الماضية من عدم نشر اتفاقية الحكومة مع صندوق النقد الدولي والتي بموجبها سيتم تقديم قرض للأردن خلال السنوات القادمة للمساهمة في التقليل من عجز الموازنة وكذلك “تصحيح” السياسات الاقتصادية، والتي بموجبها تم اتخاذ قرارات رفع الدعم عن بعض المشتقات النفطية قبل شهرين. الاتفاقية تم نشرها على موقع صندوق النقد قبل ايام ولكن حتى الآن لم يتم تحليلها من قبل اي خبير اقتصادي بالرغم من أننا كنا نتوقع أن تصبح مادة ثرية للنقاش في الايام الحالية.

لست خبيرا اقتصاديا بالطبع ولكنني قمت بقراءة غير متخصصة للاتفاقية ويمكن لي أن اخرج بالاستنتاجات التالية في انتظار التحليلات الأكثر عمقا. القضايا الرئيسة في الاتفاقية هي الحفاظ على ربط الدينار بالدولار وهو أمر مطمئن للاستقرار المالي في البلاد، والثاني هو تقليل خسائر الشركة الوطنية للكهرباء من 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2011 إلى 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016 ويتضمن ذلك زيادة في تعرفة فاتورة الكهرباء إضافة إلى التنويع في مصادر إنتاج الطاقة.

في قطاع الطاقة مطلوب من الحكومة أن تقوم بإعادة تسعير فاتورة المشتقات النفطية شهريا في العام 2013 لتخفيف وطأة الصدمات الناجمة عن احتمال ارتفاع اسعار النفط، وفي هذا السياق يمكن لنا كمواطنين أن نكون طموحين في استعادة تدفق الغاز المصري؛ ما قد يخفض من خسائر شركة الكهرباء وبنفس الوقت استمرار الركود الاقتصادي العالمي والذي من شأنه العمل على عدم زيادة اسعار النفط العالمية بسبب تراجع الطلب. ارتفاع سعر فاتورة الكهرباء هو عنصر اساسي في الاتفاقية والتي تشير بأن هذا الارتفاع سيحدث تدريجيا مع العمل على عدم تأثر الطبقات الفقيرة وخاصة مساكن الفئات الأشد فقرا ولكن آلية تحقيق ذلك غير واضحة في الاتفاقية. على المدى المتوسط تشير الاتفاقية إلى ضرورة تنويع مصادر الطاقة في الأردن ومن ضمن الإجراءات المقترحة بناء مخزن عائم للغاز الطبيعي في العقبة بحيث يمكن تخزين الغاز من مصادر مختلفة وليس فقط من مصر.

للأسف لا تتضمن الاتفاقية مقترحات بدعم الطاقة المتجددة والبديلة وخاصة الطاقة الشمسية ولو على المدى المتوسط كما لا تتضمن اية مقترحات خلاقة في تحرير سوق الطاقة وإنهاء احتكار مصفاة البترول حيث أن كافة السيناريوهات الموجودة تتضمن افتراض استمرار المصفاة في دورها الاحتكاري الحالي وهذا ما يجعل سياسة “تنويع مصادر الطاقة” الواردة في الاتفاقية كلام إنشائي أكثر منه عمليا.

لا تقدم الاتفاقية حلولا جذرية لمشاكل الاقتصاد الأردني أكثر من النمط التقليدي في الدعوة إلى ضبط الإنفاق الحكومي وتخفيض الخدمات ورفع الدعم وزيادة الأسعار وهي لن تمثل مخرجا مستداما لأزمة الاستدامة الاقتصادية والتي تحتاج إلى حلول خلاقة ومبدعة خاصة في قطاع الطاقة تتجاوز النمط التقليدي من التفكير، وهي خيارات متاحة وقابلة للتنفيذ في حال اقتنعت بها السلطة التنفيذية وبدأت بالعمل عليها منذ الآن.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور