تستأنف جمعية الثقافة العربية الإسلامية المشروع المجتمعي التقليدي لتعليم الدين وفهمه وتطبيقه، كما درجت عليه الحال منذ مئات السنين. وفي بلاد الشام، يحظى المذهب الشافعي بقبول كبير راسخ ومتراكم.
ويعد الإمام النووي، ابن مدينة نوى في جنوب سورية (حوران)، الفقيه الأول لهذا المذهب، من خلال كتابه "المجموع"، وكتبه وأعماله الأخرى، مثل شرح صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي، ورياض الصالحين والأذكار، وخلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإسلام، والتبيان في آداب حملة القرآن، وعلوم الحديث، والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، ومصطلح الحديث، وإرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة الحق من هدي خير الخلائق، ومنهاج الطالبين وعمدة المفتين، ومتن الإيضاح في المناسك، وآداب الفتوى والمفتي والمستفتي، وتهذيب الأسماء واللغات، وتحرير التنبيه، وبستان العارفين. وكان الناس في دمشق وجنوب الشام يعدونه من أولياء الله، ويزورون قبره. وهو في الثقافة الشعبية المتوارثة من الأولياء الصالحين، تتداول حوله القصص والكرامات. ومن فقهاء المذهب المهمين أيضا، تقي الدين الحصني (نسبة إلى مدينة الحصن)؛ مؤلف كتاب كفاية الأخيار؛ شيخ الشافعية بدمشق في زمانه. وهو أيضا من أعلام الصوفية، وتنتسب إليه سلسلة متصلة حتى اليوم من العلماء والعائلات. ومنهم أيضا الشيخ إسماعيل العجلوني (ت العام 1745م)، مؤلف كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس.
والسلفية في الأردن وبلاد الشام، وإن كانت تبدو صحوة حديثة، فإنها امتداد علمي للإمام أحمد بن حنبل. وقد تشكل حولها في بلاد الشام وجود علمي واجتماعي. والفقيه الرئيس للحنابلة هو ابن قدامة المقدسي (من بلدة جماعيل في محافظة نابلس) مؤلف كتاب المغني. ومن ذريته عدد كبير من العلماء. كما أن ابن تيمية وابن القيم من أعلام الحنابلة، ومن أعلام الشام.
لقد تحولت الشافعية إلى امتدادات اجتماعية ودينية عميقة وراسخة، بالإضافة إلى كونها حركة علمية. كما اندمجت بالصوفية التي ظلت لمئات السنين الطابع العام والغالب للتدين والسلوك لدى علماء وأعيان المنطقة، وتميزت بكونها حركة مجتمعية. وأتذكر اليوم القصص التي كان يرويها والدي عن النووي وكراماته وعلمه، والإمام الباجوري شيخ الأزهر والمتوفى العام 1859م. كما أتذكر في طفولتي مجموعة من الكتب التي أودعها جدي الشيخ أحمد أبو صيني وأخوه الحاج حسين في مكتبة المسجد وقرأتها في المسجد، مثل عمدة السالك وكفاية الأخيار ومتن أبي شجاع..
الجهد العلمي والديني الذي يقوم به اليوم الشافعيون الجدد، إن صح التعبير، أو من يعرفون بجمعية الثقافة العربية الإسلامية، أو أتباع الشيخ عبدالله الهرري، يستحق الثناء والإشادة. وما تتعرض له الجمعية ونشطاؤها فيه ظلم وغلظة. وأتمنى على السلفيين الذين يقومون أيضا بمجهود علمي وديني طيب أحترمه وأقدره، ومثلي عدد كبير من المواطنين، أن يلتزموا "الحكمة والموعظة الحسنة". وأظن أن الساحة تستوعب هذه التعددية، كما ظل الأشاعرة والحنابلة على مدى القرون يتجادلون ويتعايشون!
المراجع
ammonnews.net
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد العلوم الاجتماعية