مثل جميع أمم العالم في التاريخ والجغرافيا، لا يجمع الأردنيين أو مواطني أي دولة شيء مثل سؤال: كيف نكسب رزقنا؟ وكيف نُحسّن حياتنا؟ حتى التاريخ والبطولات والرموز والأساطير والأمثال والحكايات، صنعتها في الحقيقة المساعي الإنسانية للبقاء ثم تحسين هذا البقاء!
الآلة الزراعية هي التي حررت الإنسان، وليس الأفكار والمثل العظيمة! والعالم الحديث في فنونه العظيمة وتقدمه المدهش، تشكل حول الآلة البخارية! قل ما شئت عن الحريات وحقوق الإنسان والضمان الاجتماعي وبتهوفن وموزارت وهوغو وآينشتاين... وكل ما سنمضي مساحة واسعة في تذكره من تقدم وإنجاز، فهذه لم تكن لتوجد لولا الآلة البخارية.
واليوم، يعيد العالم تشكيل نفسه حول الحاسوب. ولا بأس بعد ذلك بشيء من التاريخ، وتذكر المعارك التي انتصرنا فيها، وكيف توحدنا في مواجهة الأعداء، وأن نتواطأ على نسيان الهزائم. ولكننا في الحقيقة فعلنا ذلك مضطرين، وأولى بنا أن نتذكر كيف توحدنا لندرس البيدر حتى لا نموت جوعا، وكيف أمضينا الليل والنهار نحصد وندرس بلا كلل، لنحظى بزغرودة من الصبايا الحسان!
لا بأس أن ينقسم الجمهور بين الأندية، ولا مشكلة، أو لنقل لا مناص من أن ينقسم الناس حسب قراهم ومدنهم وحاراتهم؛ ولكن العبرة الأساسية أن تظل مع الانقسام جوامع رئيسة مشتركة، هي حياتنا التي نعيشها، والتي تشكل حولها المواطنة وسيادة القانون. فلم تكن دولة ولا مؤسسات، لولا رغبتنا في العيش في سلام! إذ إن الدول، جميع الدول؛ والقوانين، جميع القوانين، تشكلت لحماية الناس من بعضهم بعضا، ولو كانوا متآلفين متفاهمين لما كانت دول وحكومات وقوانين وجيوش وشرطة.
نضحك على بعض إذا رأينا الحل في مقاومة أو منع الانتماءات الفرعية، وسوف نضيع الوقت والموارد في ذلك. ولكننا نستطيع بناء فكرة جامعة، وإذا تخلى الناس من تلقاء أنفسهم بعد ذلك عن انتماءاتهم وهوياتهم الفرعية، فهذا أمر جميل. وهناك كثير من المواطنين ينشئون لأنفسهم انتماءات وهويات مستقلة عن الأصول، ويرون القانون والمواطنة تجمع وتستوعب جميع الناس، وهناك أيضا فئات من المواطنين تجمع بين الانتماء الفرعي والانتماء الوطني. ولكن في النهاية، يتجمع الناس ويتجادلون حول تنظيم مواردهم وتجديدها وتطويرها وحمايتها؛ يجمعهم ذلك أكثر من أي شيء آخر، ولا يحتاجون أن يحبوا بعضهم كثيرا، ولا أن يكونوا على قلب رجل واحد، ولكن تكفيهم سيادة القانون!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد