يعتبر كتاب "اللفياثان" الذي ألَّفه توماس هوبز العام 1651، من الكتب المؤسِّسة لنظرية فلسفة الدولة، ولعله الأكثر تأثيراً في السياسة بعد كتاب "الأمير" لمكيافيلي. وتقوم فكرة الكتاب على أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استناداً إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة، وليس بناءً على الغيب!
و"اللفياثان" هو كائن خرافي؛ له رأس تنين وجسد أفعى، يستعمله هوبز ليصور سلطة الحاكم أو الدولة التي يستبدل بها الناس، ضمن عقد اجتماعي جديد، سلطة الدين أو اللاهوت.
تبدو أفكار هوبز حول الطبيعة الإنسانية ملفتة للاهتمام، إذ يقول: إن الإنسان في سعيه لأن يعيش في سلام ووحدة، وفي تطلعه وميله إلى السعادة، فكّر في السلطة. ولكنها (السلطة) رغبة دائمة لا تهدأ، ولا تنتهي إلا بالموت؛ والسبب في ذلك أن الإنسان لا يستطيع ضمان القوة ووسائل العيش الجيد التي يملكها الآن من دون أن يقتني المزيد منها. ومن هنا نتج أن الملوك الذين يملكون السلطة الأعظم يوجهون جهودهم نحو ضمانها في الداخل بواسطة القوانين، وفي الخارج بواسطة الحروب، وعندما يتم لهم ذلك تنشأ رغبة أخرى.
والتنافس على الثروات يدفع إلى النزاع والعداوة والحرب؛ والرغبة في الراحة والمتعة والمعرفة وفنون السلام تجعل الناس مستعدين لأن يطيعوا سلطة مشتركة؛ والرغبة في المديح تدفع الناس إلى أداء الأفعال الممدوحة. وأن يتلقى المرء عطاءً أو جميلاً من شخص يعتبره ندّاً أكثر مما يؤمل برده، يخلق استعدادا للحب المزيف الذي هو في الحقيقة حقد دفين. وإذا كان هناك أمل برد الجميل، فإن ذلك يخلق ميلاً إلى الحب. وأن يكون المرء قد ألحق بإنسان ضررا أكبر مما بإمكانه أو مما يريد أن يعوضه، يجعل الفاعل يميل إلى كره المتأذي، فهو لا بد أن يتوقع انتقاما أو غفرانا، وكلاهما مكروه. والخوف من القهر يجعل الإنسان مستعدّا لتوقع مساعدة المجتمع أو لطلبها؛ فإنه ليس ثمة طريق أخرى يستطيع الإنسان بها أن يؤمن حياته وحريته.
والذين يشعرون بالمجد الباطل من دون أن يشعروا بأن لديهم الكفاءة، يستمتعون بادعاء الشجاعة، ويميلون فقط إلى التباهي وليس الإقدام، وحين يظهر الخطر لا يأبهون إلا لانكشاف عدم كفاءتهم. والذين يشعرون بالمجد الباطل وهم يقدرون كفاءتهم من خلال المديح أو من خلال نجاح عمل سابق، فإنهم عند اقتراب الخطر يميلون إلى الانسحاب ويفضلون المخاطرة بشرفهم الذي يمكن استعادته بعذر، بدلاً من حياتهم التي لا يمكن استعادتها.
والذين يعجبون بحكمتهم يملكون استعدادا للطموح. والجهل بالأسباب، والتكوين الأصلي للحق والإنصاف والقانون والعدالة، يجعل الإنسان مستعدّا لأن يتخذ من العادة والمثل قاعدة لأفعاله. والجهل بالأسباب البعيدة يجعل الناس مستعدين لنسبة كل الأحداث إلى مباشرة وذرائعية، والجهل بالأسباب الطبيعية يجعل عند الإنسان استعدادا للسذاجة؛ فيصدق أشياء مستحيلة. وحين يكون المرء متأكدا من أن هناك أسبابا لكل الأشياء التي حدثت في السابق وستحدث فيما بعد، يكون في حالة قلق دائم.
وبناءً على طبيعة الإنسان وغرائزه هذه، ينشئ هوبز فهما للحق والحرية وقانون الطبيعة. فالحق بمقتضى الطبيعة -كما يقول- هو حرية الإنسان في أن يستخدم قوته وفق ما يشاء هو نفسه، من أجل الحفاظ على طبيعته؛ وبعبارة أخرى الحفاظ على حياته، وبالتالي في أن يفعل كل ما يرى بحكمه وعقله أنه أفضل السبل لتحقيق ذلك. والحرية هي غياب المعوقات التي تمنع الإنسان من استخدام القوة طبقا لما يمليه حكمه وعقله. وقانون الطبيعة هو مبدأ يتخذه العقل لمنع الإنسان من فعل ما هو مدمر لحياته، أو ما يقضي على وسائل الحفاظ عليها.
المراجع
arb.majalla.com
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد العلوم الاجتماعية