"وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الشعراء، الآية 145).
ثمة فوضى وحيرة في سوق العمل الديني. واستخدام كلمة "سوق" ليس بغرض القدح والذم، ولكن لأجل التفكير لتنظيم العمل الديني مهنيا وماليا على أسس عادلة وصحيحة، ولتصحيح علاقة الدولة والمجتمع بالمؤسسات الدينية.
ولأجل بسط المسألة على أسس علمية وموضوعية، فأقترح تقسيم الشأن الديني إلى عدة مجالات، لأنها ليست مسألة واحدة.
فهناك الممارسات والعبادات والشعائر الدينية، وهناك الأوقاف، والتعليم الديني، والعمل الديني الطوعي ما بعد العبادات مثل الدعوة والوعظ والإرشاد والفتوى، والحريات الدينية، والاعتقادات، والجمعيات والمؤسسات الدينية غير الربحية التي تتلقى تبرعات، ومؤسسات تجارية تقدم خدمات دينية أو تضيف إلى أعمالها طابعا وجانبا دينيا. وهناك أيضا الجانب القانوني والعملي المتصل بالدين، مثل الأسرة والميراث والأحكام المتصلة بالدين والوثائق الرسمية. وأستخدم هنا كلمة الدين لأني أقصد الدين بعامة، على النحو الذي يشمل في بلادنا الإسلام والمسيحية والبهائية بالنسبة للمواطنين، والأديان الأخرى بالنسبة لغير المواطنين. ولأسباب متعلقة بالمساحة المخصصة في الصحيفة، فسوف أقدم سلسلة من المقالات لتغطية المسألة ومعالجتها.
هناك مكافآت ورواتب تقدمها الدولة للعاملين في الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهناك أحاديث عن مكافآت تدفعها جهات غير حكومية مقابل الدروس والخطب والمحاضرات والإمامة. وتتحدث الصحف أيضا عن إيرادات وأموال تتدفق في سوق الدعوة!
ليس عيبا ولا خطأ أن يتقاضى داعية أو أستاذ أو محاضر بدل محاضرة يلقيها، ولا بأس أن يكون ذلك عرضا وطلبا، أو سوقا تعود بالربح على المنظمين والمحاضرين. ولكن يجب أن يكون ذلك سوقا واضحة؛ بمعنى أن يدفع الجمهور لأجل المحاضرة، وأن تكون المكافأة متفقة بالفعل مع العائد المالي للمحاضرة. ولا بأس أيضا في محاضرات تنظمها جهات متخصصة أو تجارية أو اجتماعية أو ثقافية، وأن يتقاضى المحاضر أجرا مقابل محاضرته، مع الأخذ بالاعتبار الطابع الدعائي والاستثماري لهذه الأنشطة والبرامج الدينية المفترض أنها بعيدة عن ذلك.
اللبس والغموض في أن تتحول خطب الجمعة وصلوات التراويح أو غيرها، ودروس المساجد الدينية، إلى سوق مفتوحة للمساهمة والمزايدات والمناقصات التجارية. ماذا لو قررت المؤسسات الرقابية، مثل ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد ومجلس الأمة ومؤسسة المواصفات والمقاييس ودائرة العطاءات، تنظيم الخطابة والإمامة في المساجد على أسس وقواعد عادلة وواضحة، هل سيكون التقدم إلى الخطابة والإمامة في مناقصات تقدم بالظرف المختوم؟ هل ستصنف المساجد والخطب والأئمة والوعاظ والقراء إلى درجات ونجوم؟ هل سنطالع إعلانات، على سبيل المثال، من قبيل عروض مغرية للصلاة في مسجد مع الإمام أو الشيخ فلان وفلان، أو "تعال لنصلي أو نحج أو نعتمر مع فلان بقراءة مع بكاء وأدعية خاشعة، وإذا لم تبك نعيد إليك التذكرة، أو تخصم من مكافأة الإمام؟".
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد