هل يصلح الأكاديميون أو المشتغلون بالفكر والثقافة للسياسة؟ كيف، ولماذا يؤيد جامعيون ومثقفون وأدباء وفنانون الدكتاتورية؟ كيف ينحازون إلى الدكتاتور باختيارهم، وليس بالإكراه؟ إذ يمكن أن نتصور انحياز أكاديميين ومثقفين ضد الديمقراطية في بلادهم التي يعيشون فيها، تقديرا لظروف واعتبارات عدة يمكن فهمها، ولكن لماذا يفعل بعضهم ذلك وبوسعهم الصمت أو الحياد؟

 

بعض المثقفين والأكاديميين انجرف في انحيازات غرائزية بدائية طائفية، وتعصبات عشائرية ودينية وإثنية، تتناقض كليا مع ما كانوا يقدمون به أنفسهم؛ من علمانية أو ماركسية أو ليبرالية، أو صفات ومنجزات أكاديمية وعلمية! كما شاركوا في سلوك ومواقف جمعية لا تتفق مع الاستقلالية والفردية المفترضة في الأكاديميين والمثقفين!

 

الظاهرة ليست جديدة ولا مفاجئة بالطبع؛ فعلى الدوام كانت السياسات الدكتاتورية والعنصرية مغطاة بقدر كثيف من الفلسفة والشعر والفنون والآداب، واستقطبت على الدوام جيشا من الأكاديميين والعلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء. ولكنها، مع ذلك، تظل بحاجة إلى توقف وإشارات متكررة ومتواصلة.

 

ما يزال كتابا "الأمير" و"اللفياثان" مرجعين مؤثرين في الفكر السياسي وفي الحكم والسياسة أيضا، برغم أنهما يؤسسان للحكم المطلق المستنير، أو كما نقول في التراث العربي "المستبد العادل". ويجب أن نعترف أن شخصيات مستبدة في الحكم والسياسة العربية تحظى بتأييد واسع بين مثقفين ومتنورين يدعون إلى الديمقراطية والحريات، ويناضلون لأجلها! وفي المقابل، فإن الانتخابات الحرة لم تنشئ ديمقراطية حقيقية في تجارب وبلدان عدة، بل كانت طريقا إلى الشمولية والاستبداد، والانحيازات الطائفية والدينية والعشائرية! لماذا لم تنشئ الانتخابات قيادات فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية ونقابية مؤمنة بالديمقراطية في جوهرها الحقيقي والمنشئ لها؛ النسبية وعدم اليقين؟

 

هل أضاف الأكاديميون والتكنوقراط إلى السياسة شيئا عندما شاركوا في الحكومات؟ هل كانوا وزراء ناجحين؟ والذين نجحوا من هؤلاء أو أضافوا جديدا إلى الحياة السياسية والاقتصادية، هل كان ذلك بسبب قدراتهم الأكاديمية، أم هي مهارات ومواهب قيادية وسياسية اكتسبوها بعيدا عن العلم والثقافة؟

 

يبدو لي أن الظاهرة مرتبطة بالبيئة المحيطة بالعمل العام وتشكلاته. فالقيادة الاجتماعية والسياسية ليست هبة تهبط من السماء، ولا مساقا أكاديميا يدرّس في الجامعات. وهي ليست بحثا أو فكرة علمية أو قصيدة أو رواية، على أهمية ذلك كله وضرورته للمجتمعات والسياسة أيضا. ولكنها (القيادة) في حلقة غائبة (ما تزال) مستمدة من تشكل الناس وتجمعهم حول الأماكن والموارد.. ومن غضب الشباب وأحلامهم.

 

بقلم: إبراهيم غرايبة.


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد   الآداب