ثمة سؤال يتعلق بكل قرار أو سياسة أو تشريع أو ضريبة أو موازنة: من المستفيد ومن المتضرر؛ وهل تعمل المؤسسات العامة وديناميات الدولة والسوق لصالح أقلية محددة في المجتمع، أم تعمل لصالح جميع الناس؟ هذا هو، ببساطة، مفتاح النظر والتقييم للعمل السياسي في الحكم أو المعارضة. وإذا لم تعكس الانتخابات البرلمانية والنقابية نضال المجتمعات والطبقات لأجل المشاركة وعدالة توزيع الموارد والمؤسسات، فإنها تكون خالية من المعنى والجدوى. وإذا لم تلاحظ القوى الاجتماعية المتطلعة إلى تحسين حياتها هذه المقولة، فلا فائدة ولا أهمية للأحزاب والنقابات والبلديات والتجمعات الاجتماعية والمدنية!
لم تكن الانتخابات البرلمانية في القرن السابع عشر وحتى القرن الثامن عشر في بريطانيا (مهد الديمقراطية الحديثة) تعبر عن ديمقراطية حقيقية، أو بالمعنى الذي نفهمه اليوم؛ إذ لم يكن التصويت متاحا لأكثر من 2 في المائة من السكان، وكانت مدن مهمة مثل بيرمنغهام وليدز ومانشيستر وشيفيلد غير ممثلة في البرلمان. في المقابل، كان الريف يحظى بتمثيل زائد، إذ كان حق التصويت على أساس ملكية الأرض.
يفسر اسيموغلو وروبنسن، في كتاب "لماذا تفشل الدول"، مسار الصراع والازدهار بالاحتكارات والمزايا والنضال لأجل المشاركة الواسعة. فلم يكن الازدهار والعدالة والديمقراطية سوى النضال ضد الامتيازات، ويقابله الخوف من الإبداع والتطور على المصالح القائمة. لماذا لم تتطور معيشة الناس منذ العصر الحجري إلى الثورة الصناعية؟ إن الابتكارات والتكنولوجيا تجعل المجتمعات البشرية أكثر ازدهارا، ولكنها أيضا تغير في بنية المجتمعات، وتغير جوهريا في الامتيازات الاقتصادية والسلطة السياسية؛ هناك بطبيعة الحال قادمون جدد!
النخب القائمة سوف تقاوم أي تهديد لمصالحها وامتيازاتها، ولو كانت اختراعات علمية أو إبداعية تحسن حياة الناس. ولذلك، تحتاج المجتمعات إلى نضال وتحالف جديد لمواجهة الاحتكار والامتيازات الراسخة، التي تمنع الازدهار والمشاركة والعدالة! فالصراع السياسي هو في الحقيقة صراع على توزيع الموارد والمؤسسات. وكانت النخب القائمة تحسم الصراع لصالحها وتزيد قبضتها على السلطة والموارد، وهكذا يمكن فهم علاقات مؤسسات السلطات السياسية والدينية والقيادات والطبقات الاجتماعية والمصالح التجارية.
في تتبع تاريخ هذا الصراع في بريطانيا، يلاحظ اسميوغلو وروبنسن كيف أنشأ ذلك الإصلاح والازدهار. صحيح أنه صراع احتاج إلى خمسمائة سنة! ما بين الـ"ماغناكارتا" (1215) إلى الثورة البريطانية المجيدة (1688)، ولكن الطبقات والفئات المتضررة من الهيمنة والامتيازات في سعيها للمشاركة وحماية مصالحها، حققت أيضا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية! لم تكن عملية مشاركة القادمين الجدد سهلة؛ فالقوى الصاعدة والجديدة كانت دائما تتعرض للسحق، ولكن مآلات التسويات كانت دائما إلى التعددية والمشاركة.

ابراهيم غرايبة


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية