أسوأ بكثير من الدمار والضرر الذي يجري إلحاقه بالغابات والأراضي بعامة، هو المشروعات التي تعود بالفائدة على فئة قليلة من الناس. فلا معنى لاستثمار أو مشروع، مهما كانت فوائده وإيراداته، إذا لم تكن فائدته هذه تعود على المواطنين بعامة، وإذا لم ينشئ مشاركة اقتصادية لجميع المواطنين. وأسوأ من ذلك أن يكون المشروع لا يديم الموارد ولا يجددها، ولا ينشئ موارد جديدة!
ليس الأهم حماية الأشجار من الاقتلاع، وهو أمر مهم بالطبع. بل الأهم أن تكون الغابات أساسا لمنظومة موارد لجميع المواطنين، تتشكل حولها بلداتهم ومؤسساتهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وينشئون على الدوام موارد جديدة، دون إضرار أو تضحية بالموارد الأساسية؛ الغابات والأرض!
محافظات الشمال (عجلون وجرش وإربد والأغوار والمفرق) يمكن أن تستوعب عشرة ملايين مواطن، يتمتعون بحياة كريمة ومستوى معيشة ورفاه متقدم؛ صناعات غذائية ودوائية وخشبية وسياحية وتجارية وخدماتية، قائمة على الغابات وحولها. مساحة سنغافورة لا تزيد عن مساحة محافظة عجلون، ويعيش فيها ستة ملايين مواطن، ومعدل دخل الفرد فيها 60 ألف دولار سنوياً!
السؤال الأساسي الذي يحكم النظر والتقييم للمشروعات والأفكار، هو المشاركة الاقتصادية للمواطنين، وأثرها على مستوى التمكين والخدمات الأساسية التي يحصلون عليها. وعلى هذا الأساس، فإن الغابات والجبال لا تصلح بعد زراعة الغابات والفواكه إلا لمشروعات لا تستهلك الأرض أو لا تحتاج إلى مساحات واسعة. ويجب أن تكون الزراعة فيها مصدرا مباشرا ترتبط بها معيشة 10 في المائة من السكان؛ ليس أكثر، وربما أقل عن ذلك. ولكن الموارد كلها تأتي مما يبدعه السكان من مشروعات حول زراعة الغابات والأشجار المثمرة؛ صناعات ومشروعات غذائية ودوائية وخشبية (أثاث ومواد بناء ومشغولات فنية وتراثية)، تعظم وتضاعف قيمة الزراعة والأراضي من غير مساحات إضافية، ثم متوالية من المشروعات الخدماتية والسياحية.
لا أهمية كبيرة للغابات والجبال بلا أثر مباشر على حياة المواطنين ومواردهم. ولا فائدة كبيرة من الدفاع عنها كما لو أنها أيقونة مقدسة. ولا معنى ولا جدوى لمشروع لا ينشئ موارد مباشرة للمواطنين، ويطور الجبال، لتكون مصدرا حقيقيا لمعيشة الناس يرتبطون به ويدافعون عنه، باعتباره مصدر رزقهم وحياتهم، ومصدر إلهامهم وإبداعهم أيضا! وعلى هذا الأساس، يمكن القول ببساطة إن المشروعات والمناطق التنموية التي يجري تسويقها هي في أحسن وصف لا معنى ولا جدوى لها. ويمكن الادعاء ببساطة أن المجتمعات والمنظمات المجتمعية (الأحزاب والنقابات منفصلة عن المجتمعات، كأنها مجموعات سياحية) يغلب عليها أنها في نضالها ورؤيتها لحياتها وتقديرها لأولوياتها ومواردها، تبدو متجهة إلى غير أهدافها المفترضة؛ الاستقلالية والتمكين والحياة الكريمة، ومستوى المعيشة المتقدم والخدمات الأساسية الملائمة!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد