من أهم الفوائد التي جناها الأردن من الانفتاح السياسي والشعبي الواضح منذ سنتين قدرة المواطنين والتجمعات ذات المصالح المختلفة على التنظيم وتعزيز امكانياتها لايصال رسائلها ومطالبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية المختلفة. التنظيم المدني جزء جوهري وحيوي من اي تطور سياسي في الدول الحديثة، وإزالة القيود عن كافة اشكال التنظيمات المدنية المستقلة التي لا تدعو للعنف وتحرض عليه هي من سمات المجتمع القوي والواثق من نفسه والذي يناقش قضاياه بشكل مفتوح ولا يخفيها تحت الطاولة متظاهرا بعدم وجودها.
بعد سنوات طويلة من التجاهل الرسمي والعداء في بعض الحالات من قبل قوى سياسة ورسمية وإعلامية، قرر النشطاء المطالبون بمنح حقوق الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين أن ينظموا أنفسهم في منبر اجتماعي وشعبي تحت عنوان “جنسيتي حق لعائلتي” حيث عقدوا في الأسبوع الماضي عدة لقاءات تشاورية وأطلقوا برنامجهم ومطالبهم لينضموا بالتالي إلى العشرات من التنظيمات الشعبية التي ظهرت في الفترة الماضية.
هذا مؤشر إيجابي ويستحق الدعم. صحيح أن القضية مثار الجدل ذات إشكالية وترتبط إما بشكل منطقي أو مبالغ به بنظرية “التوطين” وخاصة لأبناء الأردنيات المتزوجات من الإخوة من الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن على الرافضين لهذا التجمع أن يعرفوا بأن الزمن تغير الآن ولم يعد بإمكان أحد أن يسكت الآخر ويمنعه من المطالب بحقه وإبداء رأيه. القضايا الإشكالية في البلاد يجب أن تناقش بعقلانية واحترام لأن مستقبل الأردن لا يمكن أن يكون خاضعا لضغط من جهة واحدة فقط مع تخوين واتهام الجهات الأخرى بالعمل ضد المصلحة العامة.
يمكن لدولة تحترم مواطنيها وحقوقهم كما يفترض أن يكون الحال في الأردن أن تخرج من كرسي التردد إلى حالة من الإيجابية عن طريق تقريب ابناء الأردنيات المتزوجات من أجانب إلى حقوقهم الدستورية وفق بضع مراحل زمنية ترتبط بالتطورات الدستورية والسياسية. ائتلاف جنسيتي حق لعائلتي يطرح الكثير من الأفكار المتوازنة والتوصيات التي لا بد من التعامل معها بإيجابية وأولها إلغاء حالات التمييز في العمل والتعليم والإقامة والرعاية الصحية وحق التملك لأنه من العيب حقيقة أن يعاني ابناء مواطنات أردنيات من هذه المستويات المسيئة من التمييز، بينما يحظى آخرون من حملة جنسيات غير أردنية بحقوق أعلى بكثير.
الائتلاف طور برنامجا للنشاطات الإعلامية والتوعية وتقديم الحقائق والأرقام والتوصيات الحقيقية التي تسهم في حل هذه المشكلة والتي يجب الا تؤثر على الأمن القومي للدولة الأردنية بل تمنحها مزيدا من المناعة والقوة في المسار الصحيح لضمان حقوق المواطنين بشكل يحقق تكيفا مع الظروف السياسية بدون أن يتحمل أبناء الأردنيات عبئا لم يكن لهم علاقة به من الأساس. نتمنى أن يسهم الائتلاف في الفترة القادمة بتسليط الضوء على هذه القضية من خلال الحقائق لا الشائعات وأن يكون المجتمع والدولة في الأردن قادرين على تحمل مسؤولية أدبية وأخلاقية شجاعة تجاه ابناء الأردنيات وعدم تجاهل حقوقهم والقفز عنها تلبية لشعار وطني حول منع التوطين لا نريده أن يكون شماعة لإلغاء حقوق الكثير من الناس، ومن الصعب أننا في هذا البلد الذي يستقبل الجميع لا نكون قادرين على إنهاء هذه القضية المؤسفة واتخاذ القرار السليم أخلاقيا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور