يعتصم موظفون من وزارة البلديات، وقبلها موظفون من وزارة المياه والري وسلطة المياه رفضا لقرارات إيقاف العمولات الإضافية ومكافآت العمل الإضافي لهؤلاء الموظفين، تنفيذا لتوصية من ديوان المحاسبة الذي أشار إلى أن هذه المكافآت غير قانونية.

خلال سنوات وسنوات من عمل ديوان المحاسبة لم نشاهد مثل هذه الجدية في تنفيذ توصيات الديوان، ويبدو ان الحل الأفضل لتوفير النفقات في الوزارات بات يستهدف الموظفين العاديين والذي تمثل لهم كل مكافأة إضافية على رواتبهم المتداعية بصيص أمل لمواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تقف أمامهم. لم يعد العمل في المؤسسات الحكومية مغريا حيث فقد العديد من المزايا التي كانت تحفز الموظفين في السابق مثل الأمن الوظيفي والعمل الإضافي وغيرها، ويبدو من الغريب أن تقرر الحكومة التوجه لحرمان الموظفين من هذه المكافآت والتي عادة ما يحصل عليها الموظفون في الدرجات المتوسطة وليس المدراء والذين يحصلون على مياومات بدل السفر ومكافآت اللجان الفنية.

التقشف في الوزارات والمؤسسات العامة يجب أن يبدأ أولا بنفقات الوزراء والأمناء العام والمدراء الذين يستنزفون النسبة الأكبر من هذه الموازنات ومن ثم يمكن التركيز على الموظفين العاديين ولكن القفز بشكل مباشر على مكافآت العمل الإضافي يحمل نوعا من الإجحاف الوظيفي بدون أن تمر هذه السياسة أولا على كبار الموظفين.

من المهم أن يكون لديوان المحاسبة دور كبير في حماية المال العام ولكن هنالك ساحات أخرى أكثر أهمية من العمل الإضافي. أول هذه الساحات على قضايا الفساد الكبرى، واتخاذ قرارات الصفقات والعطاءات الكبرى وخصخصة الشركات الناجحة بأسعار زهيدة، والدمج بين السياسة والتجارة من قبل المسؤولين وأصحاب القرار في الحكومة، فكل هذه الحالات هي التي تتضمن الفساد الأكبر الحقيقي والأهم من قضايا مكافآت العمل الإضافي، بالرغم من الأهمية الكبيرة أيضا لمنع الهدر على المستوى الصغير.

ومن الأساليب الهامة الأخرى لدعم دور ديوان المحاسبة وضع تشريع إظهار الذمة المالية قيد التنفيذ وإعطاء ديوان المحاسبة صلاحية التدقيق في كل المعاملات المالية للمسؤولين الحكوميين أثناء فترة وجودهم في موقع اتخاذ القرار، وهذا ما سيؤكد نزاهة الرقابة وامتدادها لتشمل كبار المسؤولين بالإضافة إلى صغار الموظفين.

موظفو القطاع العام في الأردن هم من أكثر الفئات التي تعاني صعوبة في مواجهة التحديات الاقتصادية الأخيرة، والحكومات الحكيمة هي التي تحاول تأمين الحماية لهؤلاء الموظفين وتقوية الحوافز التي تمنح لهم ضمن الموارد المالية المتاحة وليس سحب هذه الحوافز مقابل عدم المساس بالهدر الأكبر الذي يتم من قبل كبار الموظفين. حماية القطاع العام ليست فقط حماية للموظفين وحقوقهم المعيشية بل حماية للبيروقراطية من السقوط في مستنقع الفساد.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور