الحدود الشمالية : تحد ٍ استراتيجي للأردن

بعيدا عن الصخب الدائر حول التشكيل الوزاري وعن صراعات النواب ومناكفات الحراك والحكومة وملفات الفساد، يبقى التحدي الإستراتيجي الحقيقي الذي يواجه الدولة الأردنية هو التدهور المستمر للوضع الأمني والسياسي في سوريا وانعكاساته على الأردن، ونخشى أنه في قادم الايام قد يضطر الأردن لاتخاذ إجراءات لم يكن يرغب بها أحد حماية لأمنه الوطني.

الثابت الوحيد في الأزمة السورية المتفاعلة منذ سنتين هو تدفق اللاجئين على الأردن. لا أحد يملك ضميرا حيا يمكن أن يطالب بمنع الهاربين من جحيم النظام السوري والجحيم الجدد للثوار من محاولة الوصول إلى بر أمان في الأردن، ولكن بنفس الوقت لا يمكن أن يبقى هذا المسار مفتوحا إلى الأبد خاصة أن عدد اللاجئين سوف يتجاوز نصف مليون قريبا سواء من كانوا في مخيم الزعتري أو في المحافظات الشمالية أم على امتداد البلاد بشكل عام.

الخيار السياسي أمام الأردن معقد. قبل اشهر أوقفت تركيا تدفق اللاجئين إليها بحجة الضغط على الموارد والاقتصاد علما بأن حجم الاقتصاد التركي أضعاف الأردني وكميات الموارد المائية والغذائية كبيرة جدا ولن تؤثر عليها نسبة اللاجئين من سوريا. تركيا حاولت استخدام هذه الورقة للضغط باتجاه إنشاء منطقة حدودية عازلة داخل الحدود السورية يتم تجميع اللاجئين السوريين فيها وتكون تحت سيطرة الجيش الحر والمعارضة السورية. إمكانية تنفيذ مثل هذا الإجراء أردنيا تبدو صعبة جدا.

الخطورة الكبيرة في فكرة إنشاء المناطق الحدودية تكمن في سابقة تدخل دولة عربية عسكريا في الحدود الخاصة بدولة مجاورة. حتى الآن الأردن يعترف بالنظام السوري ولا يمكن أن يقوم بدخول الحدود السورية بجيشه أو ضمن أي عملية عسكرية مشتركة مع الجيش الحر. الحل الوحيد هو انتظار إمكانية سيطرة الجيش الحر على جيب حدودي واسع نسبيا وآمن إلى درجة يمكن في نقل اللاجئين السوريين مع كافة البنية التحتية التي أعدتها مؤسسات الأمم المتحدة بدون أن يدخل جندي أردني واحد الحدود السورية. مثل هذا الإجراء يساهم في حل أزمة اللاجئين في الأردن ولا يشكل اختراقا للأراضي السورية وكذلك لن يعطي مجالا لقوى إقليمية ودولية تريد فتح “بوابة” عسكرية لإدخال جيوش أجنبية أو اسلحة ثقيلة للثوار السوريين. هذه مخاطرة لا يريد الأردن ابدا المشاركة بها.

مزاج الرأي العام الأردني تجاه حركة اللاجئين السوريين بدأ يتغير سلبيا، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة مطالبات صريحة بوقف السماح بالهجرة، وكذلك تعبير مستمر عن الانزعاج من تراجع فرص العمل مع وجود الكثير من اللاجئين الذين يعملون بمهارة وأجور اقل من نظرائهم الأردنيين. مخيم الزعتري أيضا اصبح نقطة أمنية في منتهى الخطورة وخاصة مع انتشار مستويات الغضب والشعور بالحصار من قبل الأخوة السوريين والتي يستغلها البعض لإثارة المشاكل مع قوات الدرك. الأردن يحاول بكل جهده الحفاظ على توازن إنساني-سياسي في مخيم الزعتري وعدم استخدام القوة الخشنة لأن ذلك سيكون مضرا ايضا من ناحية السمعة الدولية، ولكن المخاطر الأمنية تزداد.

على الصعيد الداخلي تتكاثر ايضا العلاقات والشبكات ما بين التنظيمات «الجهادية» الأردنية والسورية، وخاصة تلك التي تحمل الفكر التكفيري. لا توجد أوهام هنا، لأنه بمجرد أن تنتهي التنظيمات الجهادية من صراعها مع النظام السوري سوف يبدأ صراعها مع المجتمع السوري نفسه في محاولة فرض طريقة تفكيرها على هذا المجتمع، وسوف تضع أمام اعينها ايضا استهداف الدولة الأردنية ومجتمعها. غياب سلطة الدولة في سوريا يعني تداعيات من الفوضى على الأردن.

الحدود الشمالية جرح مفتوح وتحد ٍ صعب للأردن خاصة في سياق تحقيق التوازن الإنساني-السياسي. استقبال اللاجئين من الوضع المريع في سوريا هو واجب أخلاقي وإنساني ولكن لكل دولة قدرتها على الاستيعاب، وخاصة عندما تتحول المشكلة إلى عبء سياسي وامني قد تكون له تداعيات خطيرة على استقرار الدولة المستضيفة نفسها.


المراجع

www.ammonnews.net

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية