الصواف (مصطفى ـ)
(1902 ـ 1987)
مصطفى الصواف موسيقي ومربٍ سوري، ولد في دمشق وتوفي فيها. فقد والده عندما بلغ السادسة من عمره، فتولت والدته تربيته والإشراف على دراسته إشرافا ًيتفق ومكانة الأسرة التي اشتهرت بالعلم والأدب. تلقى الصواف علومه الابتدائية في مدرسة الملك الظاهر الابتدائية، والثانوية في مكتب عنبر، وفي هذه المدرسة انتسب إلى الفرقة الكشفية التابعة لها وأسند إليه العزف على آلة الفريفرا frifra، وهي آلة نفخية صغيرة من المعدن، أتقن العزف عليها بأسلوب ملفت للنظر. ثم تابع دراسته الثانوية في «تعنايل» في لبنان ثم في بيروت، وفي أثناء دراسته، عمل بنصائح أساتذته الذين لمسوا موهبته الموسيقية، فدرس العزف على آلة الكمان على يدي معلم أرمني قدير يدعى وارطان.
أهلته شهادة البكالوريا الثانية للانتساب إلى كلية الطب في الجامعة السورية، وألف فيها فرقة موسيقية من الهواة، ذاع صيتها واشتهر أمرها حتى غدت حفلاتها قبلة الدمشقيين. وفي أثناء دراسته في الجامعة وضع موسيقى نشيده الأول «نشيد الجامعة» الذي يُلمس فيه الشعور الوطني العميق والعداء الواضح للمستعمر. ويقول مطلع النشيد:
نحن لا نرضى الحماية
لا ولا نرضى الوصاية
نحن أولى بالرعاية
لبني العرب الكرام
دعاه، إثر هذا النشيد، المفكر القومي الكبير ساطع الحصري وكان آنذاك وزيراً للمعارف «التربية اليوم»، واقترح عليه استبدال دراسة الموسيقى بدراسة الطب في ألمانيا وفرنسا على نفقة الوزارة. وبعد أَخذٍ ورد وافق مصطفى الصواف على دراسة الموسيقى، وفي انتظار إيفاده صدر قرار أولي من وزارة المعارف بتعيينه مدرساً في ثانوية «عنبر» وباشر التدريس فيها في عام 1921. وفي العام التالي، صدر قرار إيفاده لدراسة الموسيقى في برلين، حيث أمضى في المعهد العالي للموسيقا Hochschule für Musik سنتين ألمّ فيها بأصول التدريس العملي. وفي العام 1924 التحق «بكونسرفاتوار» المعهد الموسيقي الوطني Conservatoire National de Musique في باريس، وتخرج فيه عام 1926 ليعود إلى الوطن مباشرة والثورة السورية في أوج احتدامها. في عام 1928، دعاه الوطني المعروف فخري البارودي ليشارك في أعمال النادي الموسيقي الشرقي، ولكنه اصطدم منذ البداية من قبل المهيمنين على النادي برفض مقترحاته التي تناولت تطوير الموسيقى والغناء، وبرفض مطلق بالعمل في التدوين الموسيقي، فآثر الانسحاب ليعمل مستقلاً.
أسس الصواف في عام 1932 معهداً موسيقياً باسم «النادي الموسيقي العربي». وفي هذا النادي تم للمرة الأولى تدريس الموسيقى في سورية جدياً في أحدث الأساليب المتبعة في الغرب. وبعد خمس سنوات على تأسيس هذا النادي قام بإغلاقه، بغرض التوسع في أداء مهمته الموسيقية، وتأسيس ناد آخر هو «دار الموسيقى الوطنية» اتخذ له مقراً عند بوابة الصالحية. وقد استطاع هذا النادي طوال عشرات السنين أداء مهمته في إعداد عدد كبير من هواة الموسيقى إعداداً تاماً على أساليب العزف على مختلف الآلات الموسيقية الغربية والعربية.
في الحادي عشر من شهر شباط عام 1942 أسس الفرنسيون إذاعة دمشق العربية في زمن الرئيس الراحل الشيخ تاج الدين الحسني، وقد طلب من الصواف وضع الشارة الموسيقية التي تسبق افتتاح الإذاعة، فوضع تلك الشارة على آلته المفضلة «الكمان». وقد ظلت هذه الشارة هي السائدة إلى أن استبدلت غيرها عند افتتاح الإذاعة السورية بعد الجلاء عام 1947.
لحّن الصواف إبان الاضطرابات التي غمرت سورية في أربعينيات من القرن العشرين، أيام الاستعمار، العديد من الأناشيد التي نظمها الشاعر سليم الزركلي مثل: «نحن أبناء الكماة العربي» و«رددي يا سهول واهتفي يا هضاب» و«نشيد العلم».
ثم لحّن نشيد الجامعة الذي نظمه عبد السلام العجيلي عام 1943 ومطلعه:
نحن فتيان الحمى، روح الشباب
في دمانا
قد ملأنا الكون بسمات عذاب
والزمانا
واتخذنا العلم مرقاة الصعاب
لعلانا
وفي عام 1948 لحّن الصواف، من شعر المربي عز الدين العطار، «نشيد فلسطين»، وكان الشاعر العطار قد نظمه في أعقاب المؤامرة الكبرى على فلسطين. وشارك في عام 1957 مع فرقته الموسيقية في مهرجان موسكو للشباب، وحاز البرنامج الذي وضعه خصيصاً للمهرجان إعجاباً كبيراً رفع من مكانة سورية فنياً. وفي عام 1959 لحّن نشيد «الوحدة» في إثر الوحدة بين مصر وسورية التي هزت ملايين العرب. وفي العام ذاته أسس نادياً جديداً على أنقاض نادي الموسيقى الوطنية باسم «معهد الصواف للفنون الجميلة».
توفي مصطفى الصواف. وقد أبّنه لفيف من أصدقائه. وممثل من وزارة التربية التي أفنى حياته فيها. وتقديراً لمكانته التربوية وجهوده التي بذلها في التدريس أطلق اسمه على إحدى المدارس الإعدادية.
وضع مصطفى الصواف العديد من الكتب المدرسية منها:
«علم الموسيقى» للمدارس الابتدائية والمتوسطة (عام 1927)، و«أغاني الديار» أناشيد من ألحانه وتأليف أنور العطار وسليم الزركلي، و«الموسيقى العملية» للمدارس الابتدائية (1950)، و«الموسيقى النظرية» لدور المعلمين (1955)، و«تاريخ الموسيقى» وهو كتاب ضخم في خمسمئة صفحة، يتناول تاريخ الموسيقى الغربية وأحلامها منذ العصر الباروكي وحتى النصف الأول من القرن العشرين (1956). و«حياة الموسيقي شتراوس» مخطوط لم يطبع حتى اليوم. و«الدروس الهارمونية» مخطوط نظري عن «الانسجام» (الهارموني) ـ التوافق في الموسيقى.
من أبرز أعماله الموسيقية التي ماتزال مخطوطات لم تصافح الأسماع:
«الزهرة الأولى»، «الحرية»، «الربيع»، «أحلام الشاعر»، «ليالي القمر».
صميم الشريف
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث