فلتقلع الهراوة شوكها بيديها!
أبت الهراوات في ستاد القويسمة إلا أن تقول كلمتها!.. وأبت "الكرة" التي سددناها طوال رحلة العناء، أن تدخل مرمى الحرية، واختارت "الملعب الآخر"، الذي لا يتقن لاعبوه غير اللعب بالأجساد البشرية وحدها!
كنا نحتفل بيوم الإنسان، في عمان، وظننا أن طريق الحرية، بات مفروشا بالورود، حتى برزت الهراوة لتعيد إغلاق الطريق من جديد، ولنرسب في امتحان الديمقراطية!
وبصرف النظر عن كل أشكال الجدل التي ستدور حول الأسباب والمسببات التي تكمن وراء ما حدث في ستاد القويسمة، وبغض "السمع" عن عباراتنا التي نتداولها، في مثل هذه الكوارث، من قبيل: "الحق على مين"، وكيل الاتهامات المتبادلة، تظل النتيجة واحدة، وقوامها أننا لم نتقن أبجديات الديمقراطية بعد، وأن الحسم الأخير سيظل للهراوة وحدها، في ظل تاريخها الطويل المعشش في عقولنا منذ عهد الحجاج!
وإذا كانت الهراوة نجحت سابقا في تحميل الضحية أسباب غضبها وخروجها عن طورها، فإنها لن تنجح هذه المرة، لأن مشاهد الفضائيات كانت واضحة، وأسطع من أن تخفيها أية حجج وذرائع. فقد كان هناك المئات من الجمهور المحشور في زوايا الاستاد، الذي يجاهد للهرب من الهراوات، لكنه عاجز عن ذلك، وفي النتيجة، وجدناه يتدحرج مع السياج المعدني، في مشاهد بائسة ومثيرة لألف سؤال وسؤال عن هذه الطريقة التي يعامل فيها الانسان.
والأنكى، أن هناك نوابا جددا، ممن كانوا يحسبون على الصف الوطني، ونجحوا بفضل تاريخهم النضالي، وانحيازهم للانسان، انقلبوا مع "الكرة"، على تاريخهم وناسهم، وراحوا يبررون ويسوغون للهراوة أخطاءها، ويحملون الضحية وزر الاعتداء على هيبة الهراوة!
لقد قلنا مرارا وتكرارا، إن الهراوة لم تعد حلا في هذا العصر، ولا يمكن أن تظل أسلوبا للحوار، سرعان ما نلجأ إليه، وكأنه الفانوس السحري الذي سيخرجنا من قمقم أزماتنا. مثلما أكدنا أن هذا الجيل لا يعترف بالهراوة كما اعترفنا بها نحن سابقا، لكن ثمة هناك، على ما يبدو، من لا يزال يؤمن بأن "أول العلاج الكيّ"، وبأن السوط وحده الكفيل بحسم القضايا كلها.
ترى كيف يمكن أن نتخلص من "فكر" الهراوة و"فلسفتها"؟ كيف يمكن أن نستأصل الهراوة من رؤوسنا وأيدينا؟ هل هناك عمليات جراحية قادرة على ذلك؟
وكيف يمكن أن نزرع عوضا عنها "أعضاء" أخرى في أجسادنا، كالفكر، والقلم، والشفافية، واحترام الآخر، وتبجيل إنسانيته وحريته وكرامته؟
ألا تعرف الهراوة أنها قد تكون الطريق الأقصر لحسم الخلاف، لكنها الطريق الأطول لتقطيب الجراح؟
ألا تعرف "الهراوة" طريقها إلى المخازن المغلقة إلى الأبد، أم أن قدر إنسان العالم الثالث أن يظل وحده المكدس في مخازن الكبت والتهميش، في حين يظل الفضاء الشاسع حكرا على الهراوة وحدها تصول فيه وتجول، وتطيح من الرؤوس ما شاء لها ضيق أفقها أن تطيح؟
وكيف يمكن لنا أن نجازف مرة أخرى بدعوة رموز حقوق الانسان إلى اجتماعات مماثلة في عمان، على غرار الذي عقدناه قبل أيام؟ بأي عين سندعوهم، وبأي قلم سنكتب لهم رقاع الدعوة؟ وفي أي "ستاد" سنجتمع بهم؟
ربما كان حريا بنا أن نكتب الرقاع بالهراوة، إذن، لعلها تكون أكثر تعبيرا وإقناعا من كل الكتب التي قرأناها، ومن كل صنوف الشفافية التي نزعمها؟
نعم على الهراوة بعد اليوم أن تقلع "شوكها بيديها".. عليها أن تقنع العالم المتحضر بفلسفتها وفكرها، ما دامت مصرة على احتلال المشهد كاملا، وتهميش الآخر وتحطيم كل محاولاته للبناء والنهوض بإنساننا الأردني!
عليها من الآن فصاعدا أن تتحمل وزر أخطائها، لأننا لم نعد مستعدين "للترقيع" من ورائها!
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة باسل طلوزي جريدة الغد العلوم الاجتماعية