شهدت الأيام الماضية وعلى إيقاع الأحداث الساخنة في مصر طاحونة من الإشاعات والتضليل الذي انتشر في عدة وسائل إعلامية سواء قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية وخاصة على وسائل الاتصال الاجتماعي تتضمن معلومات غير سلمية بدون أدلة وأخرى تعتمد على انطباعات واتهامات متبادلة من كل الأطراف.
من أكثر الإشاعات والمعلومات الخاطئة التي انتشرت عبر الإعلام العربي منظومة التهم الموجهة لمحمد البرادعي أحد قادة جبهة الانقاذ المصرية المعارضة لحكم مرسي والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الاتهامات التي طالت البرادعي كانت تتعلق بدوره المفترض في تهيئة مجلس الأمن للعدوان على العراق في العام 2003 بحجة وجود برنامج الأسلحة النووية. ولكن في الواقع فإن محمد البرادعي لم يساهم أبدا في الحرب ضد العراق بل كان دائما مناهضا لأي تحرك عسكري ولم تتضمن تقاريره اية اتهامات للعراق. ما حدث هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا قدمتا تقارير مزيفة فبركتها وكالات الاستخبارات فيها أمام مجلس الأمن للحصول على تأييد دولي للحرب. تقرير الولايات المتحدة كان مصدر إحراج كبير لكولن باول الذي قدم التقرير واكتشف بعد ذلك أنه قد تم خداعه وهذا ما ذكره في مذكراته. تقرير الاستخبارات البريطانية كان مبنيا على شهادات مزيفة لعالم نووي عراقي تبين أنه كاذب وأنه يعمل مباشرة مع الاستخبارات البريطانية وساهم الكشف عن هذه الحقيقة في القضاء على سمعة توني بلير السياسية تماما.
محمد البرادعي كان المدير العام لوكالة الطاقة الذرية واشرف على عمل المفتشين الدوليين الذين طلبتهم الأمم المتحدة وفي شهادته أمام مجلس الأمن في يوم 7 آذار 2003 قبل اندلاع الحرب بأيام أكد البرادعي وبدون اي شك بأنه “لا توجد أدلة ولا مؤشرات على قيام العراق بتنشيط برامج الطاقة النووية” وطالب بمنح الوكالة المزيد من الوقت للتفتيش وهذا يعني في ظل تلك الأجواء الساخنة والضغوطات الأميركية الهائلة عدم اتخاذ قرار بالحرب والاستمرار في برامج التفتيش التي كانت ستحمي العراق من الكارثة. ولكن حسابات واشنطن ولندن كانت مختلفة وتمكنت من خلال تقاريرها المزيفة من شن الحرب. البرادعي ليس مسؤولا تحت أي تفسير اداري وسياسي وأخلاقي عما حدث في العراق بل أدى دوره بمهنية ومسؤولية عالية جدا.
يتهم البرادعي ايضا بأنه من الفلول مع أنه الشخص الذي قدم أول مساهمة حقيقية في حسر حاجز الخوف من نظام مبارك عندما عاد إلى مصر وتحدى هذا النظام وتعاون مع حركة كفاية في تنظيم الشارع المصري قبل سنتين من الثورة ودفع ثمنا باهظا لذلك وصل إلى التلصص على حياته الشخصية من قبل مخابرات نظام مبارك وتشويه سمعته وملاحقته أينما تحرك. يمكن القول بانه لولا البرادعي وبنسبة عالية جدا لكان مبارك لا يزال رئيسا لمصر ولكان الأخوان المسلمين تنظيما محظورا حتى الآن
طاحونة الكذب والإشاعات استمرت لتحاول الترويج لاكاذيب، وأن التحرك العسكري والمظاهرات المليونية هي مؤامرة أميركية-إسرائيلية-خليجية ضد الإسلام وضد الأخوان وغير ذلك من الكلام الذي لا يقبل عقل أن يصدقه. من المهم أن تكون علينا القدرة على فرز الحقيقة من التضليل لأن الإعلام، وخاصة وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة أصبحت طاحونة من التضليل ولا بد من التفكير مليا قبل الترويج لأية أكاذيب واتهامات لا يقبلها دين ولا خلق |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|