بعد أن استمرت مجموعة من نشطاء الحراك في إربد بالاعتصام أمام مبنى المحافظة مطالبة بالإفراج عن 4 نشطاء حراكيين تم اعتقالهم منذ أسبوعين، اعتقد البعض أن إزالة شجرة الزيتون المعمرة التي كان يستظل بها المعتصمون ستكون وسيلة لإنهاء الاعتصام وإراحة المسؤولين.

لا أريد هنا أن اقدم محاضرة في الأهمية التاريخية والثقافية والبيئية للأشجار المعمرة وعن ضرورة احترامها كثوابت شامخة صمدت عبر سنوات طويلة مع أن هذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لحكومة ومجتمع يعتقد بأنه قد مضى خطوات هامة في سبيل حماية الإرث الطبيعي. لا أريد ايضا أن أكتب عن الحق الدستوري في حماية حقوق التعبير السلمي عن الرأي والاحتجاج السياسي لكن المفارقة في استمرار اعتقاد بعض الجهات الرسمية بأن التضييق على الحراكيين وإزالة بعض المظاهر والأدوات التي تساعدهم على التجمهر هو من الطرق المناسبة لمواجهة الحراك بدلا من التصدي للاسباب الجذرية التي جعلت الحراك يظهر.

لا بد من القول بأن الشهرين الماضيين بالذات قد شهدا تراجعا في حجم وتأثير الحراك الشعبي الأردني، وهذا يعود إلى عدة اسباب ربما من أهمها الطريقة الاحترافية التي تعاملت معها الأجهزة الأمنية مع الحراك ومحاولة تجنب وقوع صدامات دامية وعنف مفرط يؤدي إلى ضحايا وبالتالي مضاعفة تأثير الحراك كما حصل في دول عربية أخرى. قد يكون السبب ايضا حدوث إنهاك لدى الحراكيين وعدم الوصول إلى كتلة حرجة يمكن أن تحقق تأثيرا ملموسا وربما تكون الأسباب في ذلك أن الأوضاع الأمنية المتدهورة في سوريا ومصر بالذات قد منحت الحراكيين المواطنين أيضا فرصة لرؤية كيف ستكون النتيجة في حال خرجت الأمور عن السيطرة.

كل هذه الأسباب قد تكون مؤثرة ولكن في واقع الأمر فإن الحراك قابل للعودة وبقوة في اي وقت لأن السياسات الرسمية التي اشعلته لا زالت على حالها وخاصة التساهل في مكافحة الفساد والاستمرار في قرارات رفع الأسعار والتضييق على سبل معيشة المواطنين. ليس من الحكمة ابدا اعتقاد بعض المسؤولين أو إعلانهم بفخر أن الحراك قد انتهى لأن ذلك قد يعطي شعورا زائفا بالأمان يؤدي إلى اتخاذ قرارات استفزازية أخرى تدفع جموعا كبيرة من المواطنين الذين لم يشاركوا في الحراك سابقا إلى المشاركة في المرة القادمة.

بدلا من استهداف الأشجار التي يستظل بها الحراكيون أو تسييج الدواوير التي يستخدمونها أو حجب المواقع الإلكترونية التي تنشر وجهات نظرهم من الأفضل للحكومات المختلفة ولمؤسسات الدولة أن تسارع في تنفيذ الأجندة الإصلاحية التي تعد بها الدولة مواطنيها ويتم اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية مدروسة بعيدة عن الارتجالية والعشوائية. الوصول إلى النهاية الآمنة والمرضية من الإصلاح السياسي التي تتيح للمجتمع اختيار الحكومات التي تتخذ القرارات عنه وبعد ذلك محاسبتها بمسؤولية هو الذي يحقق الاستقرار للدولة والمجتمع وليس قطع الأشجار وإغلاق مواقع التجمعات الشعبية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باتر محمد علي وردم   جريدة الدستور