نجيب السراج ملحن ومطرب سوري، ولد في حماة، زاول التلحين والغناء طوال حياته. أبوه الحاج أحمد السراج، وأمه أرمنية كانت تدعى «زاهيك افبريان» وصارت تدعى «ظريفة السراج» بعد اعتناقها الإسلام. تعلم العزف على العود على يدي معلم كفيف اسمه «عبد الستار سلامة» قبل أن يتتلمذ على يدي عازف العود المبدع عمر النقشبندي الذي قطن حماة عام 1937 لمدة عامين..
عمل نجيب السراج الذي أرغمه والده على ترك المدرسة وهو في الصف الثالث الابتدائي خياطاً في دكان عمه عبد الكريم السراج مدة ست سنوات كي يساعد أسرته في كسب رزقها، ثم افتتح لنفسه في عام 1940 دكاناً للنوفوتيه. كان يعمل فيها نهاراً، ومطرباً في بيوتات العائلات الثرية والكبيرة ليلاً، وكان يحظى بحب الشعراء الذين وجدوا في غنائه متنفساً لأشعارهم التي كان يلحنها ارتجالاً بأساليب مختلفة، ولاسيما الشاعر بدر الدين الحامد والشاعر وجيه البارودي.
قرر نجيب السراج بعد افتتاح إذاعة دمشق الفرنسية في الحادي عشر من شهر شباط عام 1942 النزوح إلى دمشق ليجرب حظه أسوة بمواطنه سركيس طمبورجي الذي حقق نجاحاً كبيراً، فنجح نجاحاً لم يتوقعه. ولكي يتقن السراج عمله كعازف تتلمذ على يدي عازف الكلارنيت الشهير طارق مدحة الذي استشهد عام 1945 في المجلس النيابي إبان العدوان الفرنسي، فأخذ عنه أصول التدوين الموسيقي الذي أجاده واستعمله في تدوين أعماله الموسيقية والغنائية.
دخل نجيب السراج معترك الحياة الفنية في دمشق بخطوات واثقة، فعالج مختلف أنواع الغناء آخذاً بأسباب التقدم الذي أحرزته الأغنية العربية على أيدي أساتذة التلحين في مصر، ولعل إعجابه الشديد بمحمد عبد الوهاب هو الذي دفعه لأن يسير في طريق التجديد الذي جاء به محمد عبد الوهاب منذ منتصف الثلاثينيات، وكانت أولى تجاربه في هذا المجال قصيدة «بسم الفجر» للشاعر مدحة عكاش.
أيقن نجيب السراج بأن عليه، إن أراد النجاح في مواكبة التجديد، أن يعود إلى تراث أمته الموسيقي والغنائي. ومن هنا نجده في سني الأربعينيات التي سبقت الجلاء، ولاسيما بعد تقديمه لعدد من أغنياته الشعبية من إذاعة دمشق عام 1943، ينصرف للأعمال التراثية الغنائية، فيحفظ منها عشرات الموشحات قبل أن يجرب حظه في التلحين فيها. ويمكن القول أنه استطاع إضفاء ثوب جديد عليها، ولكن تجربته ظلت قاصرة وعقيمة لأنه لم يرفدها بتلحين موشحات أخرى تدعم ما ذهب إليه في موشحتيه «خبريها» و«النائي القريب».
كذلك عالج «المواليا» ـ الموال ـ الذي يعد ضرباً من ضروب فن الغناء التراثي وفي هذا النوع من الغناء لم يستطع الخروج عن دائرة محمد عبد الوهاب وتأثيره وسيطرته عليه لأنه في «المواليا» الذي أعطى، كان صورة طبق الأصل عن مواويل محمد عبد الوهاب قلباً وقالباً، وإن حمل «المواليا» صوت «نجيب السراج»، ويعد موال «ياريت فؤادك» أفضل ما أعطى في هذا الفن، وهو يذكرنا بمحمد عبد الوهاب وطريقته في الأداء..
اهتم نجيب السراج بالأغنية الحديثة الدارجة (مونولوغ) والقصيدة، وحاول أن يكسب هذه الأغاني طابع الحداثة، وأن يغنيها بالتوزيع الموسيقي، وأن يعطيها مسحة رومنسية حالمة، فنجح في ذلك نجاحاً طيباً. ولما كان يرى في محمد عبد الوهاب المعلم الذي لا يجارى، فإنه عمل من جانبه على أن يتبع خطاه، وأن يسير على هديه، ولكن بطريقة «سراجية»، فاعتمد كمحمد عبد الوهاب على الموزع الموسيقي الشهير الراحل «أندريا رايدر» ليوزع لـه ألحانه. وكانت قصيدته «ليالي الشتاء» للشاعر كمال فوزي واحدة من تلك الأغاني التي قام بتوزيعها «رايدر» ليرتفع عن طريقها درجات في مضمار الغناء والتلحين، ولتوجه إليه الأنظار في سورية كأفضل ملحن للقصيدة الرومنسية الحديثة.
غدا نجيب السراج، في سورية، منذ مستهل سني الخمسينيات الملحن والمطرب الوحيد تقريباً، وقد أغراه هذا النجاح في تجريب حظه في السينما فتعاقد مع شركة «جرلق» على إنتاج الفيلم الوحيد الذي مثله «عابر سبيل» والذي لم يحقق النجاح الذي كان يرجوه. كما أغراه التلحين على تجريب التأليف الموسيقي، وكانت أول قطعة موسيقية تعبيرية له تحمل عنوان «شفة». وقد تحولت هذه القطعة بعد وقت قصير إلى أغنية تحمل الاسم نفسه، ويعد عمله هذا سقطة فنية، فالتأليف الموسيقي غير التلحين الغنائي، وما يكتبه المؤلف الموسيقي يختلف عن التلحين الذي يتعايش فيه الملحن مع النص الشعري أو الزجلي المراد تلحينه، لأن التعبير في التأليف الموسيقي مغاير لتلحين كلمات تحمل معاني وأفكاراً قد لاتتفق مع خيال المؤلف الموسيقي.
لحّن نجيب السراج لعدد من المطربين والمطربات من أبرزهم: ماري جبران، ومها الجابري، وياسين محمود، ومصطفى فؤاد وغيرهم. ويُعدّ لحنه لأغنية «فينا ننسى» التي غنتها مها الجابري من أجمل ما أعطى من ألحان، فيه نكتشف نجيب السراج الذي سعى وراء التطريب الجاد البعيد عن التزلف، وفيه نكتشف أيضاً البون الشاسع بينه وبين سائر الملحنين في سورية الذين دأبوا في السنوات العشر الأخيرة على إعطاء ألحان مستجدية يغلب عليها الطابع التجاري.
دعت إذاعة الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ نجيب السراج في أواخر الأربعينيات لتسجيل بعض أعماله الغنائية، فسجل لها بعض أغنياته الشعبية المرغوب فيها جماهيرياً.كذلك أسهم بدعوة من الحكومة الأردنية، في إحياء حفلات تتويج الملك حسين على عرش المملكة الأردنية الهاشمية عام 1953.
سافر السراج إلى مصر عام 1964 وتعرف على محمد عبد الوهاب الذي دعاه إلى العشاء في منزله واتفقا على التعاون وتسجيل بعض أعماله على اسطوانات شركة «صوت الفن»، وفي تلك السهرة طرب محمد عبد الوهاب لقصائد نزار قباني وكمال فوزي الشرابي التي غناها لـه حتى إنه قال لأصدقائه عند تقديمه لنجيب السراج «تعالوا أعرفكم بمحمد عبد الوهاب سورية».
وتعرف في أثناء وجوده على السنباطي والقصبجي وزكريا أحمد وارتبط معهم بصداقات متينة، كذلك تعرف على الموسيقي اليوناني «أندريا رايدر» الذي وزع لـه قصيدة «ليالي الشتاء». وفي أثناء إقامته في القاهرة لحن عدداً من الأغنيات لفايدة كامل ومحمد عبد المطلب ونجاة الصغيرة.
وبالرجوع إلى سجلات الإذاعة السورية واللبنانية والمصرية، يتبين أن مجموع ما غناه هو نحو (325) أغنية، منها عشرون أغنية سجلها للشركة الأمريكية «علم فون» في أوائل الخمسينات بناءً على طلب من فنان الشعب سلامة الأغواني، وبلغ عدد الشعراء وكتّاب الأغاني الذين غنى أو لحن لهم سبعة وعشرين ومئة شاعر. وبلغ عدد المطربين والمطربات الذين لحن لهم واحداً وخمسين مطرباً ومطربة، وعدد الأغاني التي لحنها لهم واحدة وستين ومئة أغنية. أما عدد قطعه الموسيقية فلا تزيد على خمس هي: «شفة» و«دانية» و«عواطف» و«كارين» و«القمر».
صميم الشريف
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث